كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 8)
وأن تكون لإبداء الغاية أي: على أمم ناشئة ممن معك، وهي الأمم إلى آخر الدهر وهو الوجه.
وقوله (وَأُمَمٌ) رفع بالابتداء. و (سَنُمَتِّعُهُمْ) صفة، والخبر محذوف تقديره: وممن معك أمم سنمتعهم، وإنما حذف لأنّ قوله: (مِمَّنْ مَعَكَ) يدل عليه. والمعنى: أنّ السلام منا والبركات عليك وعلى أمم مؤمنين ينشئون ممن معك، وممن معك أمم ممتعون بالدنيا منقلبون إلى النار، وكان نوحٌ عليه السلام أبا الأنبياء، والخلق بعد الطوفان منه وممن كان معه في السفينة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وأن تكون لابتداء الغاية): يريد: أن "من" في قوله: (مِمَّنْ مَعَكَ): إذا جعلت بيانية فالمراد بـ "الأمم": هم الذين كانوا معه في السفينة، وصح تسميتهم بالأمم لأنهم كانوا جماعة، وكل طائفة منها أمة، أو إنما سموا أمماً باعتبار مصير حالهم ومآل أمرهم، وإذا جعلت ابتدائية فالمراد بـ "الأمم": الذين ينشؤون منهم إلى آخر الدهر، وهذا أوجه؛ لما يلزم من الأول تسمية الجماعة القليلة بالأمم، ومن الثاني اعتبارا لمجاز بغير المبالغة.
وأيضاً لا يحسن التقابل بين قوله: (وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ) وبين قوله: (أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ) في الأول، كما يحسن في الوجه الأخير؛ فإن الناشئ من الذين في صحبته في السفينة فرقتان: فرقة مؤمنون داخلون تحت سلام الله وبركاته، وفرقة أخرى ممتعون بالدنيا منقلبون إلى النار، وإليه الإشارة بقوله: "إن السلام منا والبركات عليك وعلى أمم مؤمنين ينشؤون ممن معك، وممن معك أمم ممتعون بالدنيا، منقلبون إلى النار"، ومن ثم قال: "وهو الوجه".
وفي قطع الجملة الثانية بالابتداء عن سنن الجملة الأولى: الدلالة على أن التمتع الجسماني والاشتغال به يخرج الإنسان عن حكم الصالحين من عباده، وأن التبتل إلى الله يدخله في
الصفحة 99
656