مَسْلَمَة الفِهْريّ (¬1)، ثم مات، فتزوَّجَها النُّعمان بنُ بشير الأنصاري، فقُتل، ووُضع رأسُه في حِجْرها (¬2).
[وقال أبو اليقظان: لم يكن عند معاوية أحظى في نسائه من فاختة بنت قَرَظة، وجرت لها واقعة محجيبة، قال: ] كان معاوية جالسًا على سريره، فدخل بعض الأعراب عليه، فلم يعبأ به، وشُغل عنه، وكان الرجل قد أتى من شُقَّة بعيدة، فنام خلف السرير، وخرجَ معاوية إلى صلاة العصر (¬3) والرجلُ نائمٌ على حاله، فلم يزل إلى الليل، وعاد معاوية بعد العشاء الآخِرة، وأوقدوا السُّرُج، ففتح الرجلُ عينه، فرأى السُّرُج فأُسقِطَ في يده، وأيقَن بالهلاك، وقال في نفسه: جئتُ أبغي الخير، فوقعتُ في الشَّرّ، الآن أُؤخَذُ فيقال: إنما جاء ليغتال معاوية. فلَبَدَ تحت السرير.
ولبس معاوية مُلاءةً حمراء، وكان شيخًا عظيم البطن، واستدعى فاختة ابنة قَرَظة [زوجته] وكانت أحظى نسائه، فجاءت، فرمى عنها ثيابَها، وبقيت في درع رقيق يبينُ منه جميع بدنها، فقال لها: عزمتُ عليك إلا نزلتِ فمشَيتِ. فنزلت ومشَتْ، وقال لها: أقبِلي. فأقبلت. ثم قال لها: أدْبِري. فأدبرت [ثم قال: أقبلي. فأقبلت، حتى فعلت ذلك مرارًا] والأعرابيّ ينظرُ إليها، فالتفتَتْ وإذا عينا الرجل تَزْهَرَانِ من تحت السرير [فصاحت وقالت: افَتَضَحْتُ. وقعدَتْ، وتقنَّعت بيديها، فقام معاوية إليها فقال: مالكِ، ويحك؟ ! قالت: رجلٌ تحت السرير] (¬4) فأدخل معاوية يده، فأخذ برأسه، فأخرجه وقال: ما قِصَّتُك؟ ! فأخبره خبرَه، فقال: لا بأس عليك وهو يضحك ويحادثُه حتى طلع الصباح، فوصلَه، وأرسلَ إلى فاختة وقال لها: [إن] الرجل الذي استخلاك البارحة لا بدَّ له من صلة. فوصَلَتْه، وانصرف [الرجل] داعيًا بعد أنْ كان [أيقن بالهلاك، و] يئس من الحياة.
وبلغ الأحنفَ بنَ قيس فقال: إلى ها هنا -واللهِ- انتهى الحِلْم ومكارمُ الأخلاق.
¬__________
(¬1) مختلف في صحبته، والراجح ثبوتها لكنه كان صغيرًا، وله ذكر في الصحيحين. قاله ابن حجر في "التقريب". وتحرف حبيب في (ب) و (خ) إلى: حندب، ولم يرد الخبر في (م).
(¬2) تاريخ الطبري 5/ 329، وتاريخ دمشق ص 403 (تراجم النساء).
(¬3) في "تاريخ دمشق" 19/ 309 (مصورة دار البشير): المغرب.
(¬4) ما بين حاصرتين في هذا الموضع من "تاريخ دمشق" 19/ 903، وفي المواضع الأخرى من (م).