كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 8)

وقال له الحرُّ بن يزيد: يا حسين، إني أُذكِّرك (¬1) اللهَ في نفسك، فإني أشهدُ لئن قاتلتَ (¬2) لَتُقْتَلَنَّ، ولئن قُوتِلتَ لتهلكنّ. فقال له الحسين - رضي الله عنه -: فَبالموتِ تُهَدِّدُني؟ ! وهل يعدو بكم الخَطْب إلا أن تقتلوني؟ ! ولكن أقول كما قال أخو الأوس لابن عمّه وكان قد لقيَه وهو يريد نُصرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: أين تذهب؟ فإنَّك مقتول، فقال:
سأمضي فما في الموت عارٌ على الفتى ... إذا ما نَوَى (¬3) حقًّا وجاهدَ مُسلما
وآسَى الرِّجال الصالحين بنفسه ... وحسبُك ذُلًّا أن تعيش وتُرغَما (¬4)
فلما أن سمع الحرُّ ذلك منه تنحَّى عنه، وكان يسير بأصحابه ناحية، والحسين - رضي الله عنه - ناحية، حتى انتهَوْا إلى عُذَيْب الهِجانات، وإذا بأربعة نَفَر من الكوفة قد أقبلوا على رواحلهم يجنِّبون فرسًا (¬5) لنافع بن هلال يقال له: الكامل، ودليلُهم الطِّرِمَّاحُ بنُ عدي، جاؤوا ليقاتلوا مع الحسين - رضي الله عنه -، والطِّرِمَّاحُ يرتجز ويقول:
يا ناقتي لا تُذعَرِي من زَجْري ... وشَمَري قبلَ طلوعِ الفجرِ
بخير رُكْبانٍ وخيرِ سَفْرِ ... حتى تَحِلِّي بكريم النَّجرِ
الماجدِ الجدِّ (¬6) رحيبِ الصدرِ ... أتى به اللهُ لخيرِ أمرِ
ثُمَّتَ أبقاهُ بقاءَ الدهرِ
فأراد الحرُّ ردَّهم إلى الكوفة، فقال له الحسين - رضي الله عنه -: لأمنعنَّهم ممَّا أمنعُ منه نفسي، إنما جاؤوا إلى نُصرتي. فسكت الحرّ.
¬__________
(¬1) في (ب) و (خ): إذا ذكرت، وهو تحريف، والمثبت من "تاريخ الطبري" 5/ 404.
(¬2) في (خ): قاتلتك، والمثبت من (ب)، وهو الموافق في "تاريخ الطبري" 5/ 404، وينظر "أنساب الأشراف" 2/ 473 - 474.
(¬3) في (ب) و (خ): يرى، والمثبت من "تاريخ الطبري".
(¬4) في "تاريخ الطبري" 5/ 404: وفارق مثبورًا يغشُّ ويُرغما. وفي "أنساب الأشراف" 2/ 474:
وآتى الرجال الصالحين بنفسه ... وفارق مثبورًا وخالف مجرما
فإن عشتُ لم أُذمم وإن متّ لما أُلَمْ ... كفى لك ذلًّا أن تعيش وتُرغما
(¬5) أي: يقودونه معهم مجانبًا لهم.
(¬6) في "تاريخ الطبري" 5/ 405: الحرّ، ولم يرد هذا البيت من الرجز في "أنساب الأشراف".

الصفحة 119