كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 8)

ثم قام الحسين - رضي الله عنه - فخرج وسار من قصر بني مقاتل، فلما كان آخرُ الليل، خفقَ رأسُه خَفقَةً، ثم انتبه وهو يقول: إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون. فقال له عليّ ابنُه: مالك يا أَبَهْ؟ ! فقال: يا بُنيّ، إنِّي خفقتُ رأسي (¬1) خفقةً؛ وإذا بفارس يسايرُني على فرس ويقول: القوم يسيرون والمنايا تسيرُ إليهم. فعلمتُ أنه نعى نفوسَنا إلينا. فقال: يا أَبَهْ، أَلسنا على الحقّ؟ ! قال: بلى. قال: فإذًا لا نُبالي بالموت مُحِقِّين. فجزاه خيرًا.
وسار الحسين - رضي الله عنه - حتى نزل نِينَوَى (¬2) على شطّ الفُرات، وإذا براكب على نَجِيبٍ (¬3) من ناحية الكوفة، ومعه كتابٌ من ابنِ زياد إلى الحرّ، ففتحه، وفيه: أمَّا بعد، فجَعْجِعْ بالحسين (¬4)، ولا تُنْزِلْه إلا بالعَراء في غير حصن، وعلى غير ماء. فقال الحرّ: هذا كتابُ الأمير، ورسولُه معي، فلا أُفارقُك حتى تنزلَ موضعًا امر (¬5). فقال: ننزلُ نِينَوَى، أو بالغاضريَّة. فقال الحرّ: لا والله، إلى ها هنا. فقال له (¬6) زهير بن القَين: واللهِ إني لأرى ما بعد هذا أشدَّ منه، فقتالُ هؤلاء أهونُ. فقال الحسين - رضي الله عنه -: ما أبدؤهم بقتالٍ حتى يَبْدَؤونا. فقال: سِرْ بنا إلى هذه القرية، فإن قاتلونا قاتلناهم. قال: وما يقال لها؟ قال: العَقْر. قال: أعوذ بالله من العَقْر.
ثم نزل بكربلاء يوم الخميس ثاني المحرَّم.
ذكر إرسال ابنِ زياد عُمَر بنَ سعد بن أبي وقَّاص إلى الحسين - عليه السلام -:
وجَّه ابنُ زياد عمرَ (¬7) بن سعد إلى الحسين - رضي الله عنه - في أربعة آلاف، وكان قد استعمله قبل ذلك على الرّيّ وهَمَذان، فقطع ذلك البعث معه، فلما أمره بالمسير إلى الحسين
¬__________
(¬1) في "تاريخ الطبري" 5/ 407: برأسي. وينظر "أنساب الأشراف" 2/ 477.
(¬2) ناحية بسواد الكوفة، منها كربلاء. "معجم البلدان" 5/ 339.
(¬3) أي: ناقة، يقال: ناقة نجيب ونجيبة. ينظر "القاموس".
(¬4) أي: أزْعِجْه وشرِّده. وينظر "أنساب الأشراف" 2/ 477، و "تاريخ الطبري" 5/ 408.
(¬5) كذا في (ب) و (خ) ولعلها محرَّفة عن "آخر". والمعنى: أنه لن يدعهم ينزلوا منزلًا آخر.
(¬6) يعني للحسين - رضي الله عنه -. وينظر "تاريخ الطبري" 5/ 409.
(¬7) في (ب) و (خ) (وفي كل المواضع التالية): عمرو. وهو خطأ.

الصفحة 121