فكتب ابنُ سعد إلى ابن زياد بذلك، فقال ابن زياد:
الآن إذْ عَلِقَتْ مخالِبُنا به ... يرجو النجاة ولات حين مَناصِ
وكتب إلى عمر بن سعد: أمَّا بعد، فقد بلغني كتابُك، فاعْرِضْ على حسين أن يُبايع لأمير المؤمنين يزيد هو وأصحابه، فإذا فعل ذلك رأَينا رأْيَنا. والسلام.
وقال حميد بن مسلم: كتَبَ ابن زياد إلى عمر بن سعد: أما بعد، فَحُلْ بين الحسين وأصحابه وبين الماء، فلا يدنو منه، كما فُعل بأمير المؤمنين عثمان.
قال: فبعثَ ابنُ سعد خمس مئة فارس، فنزلوا على الشرائع (¬1)، وحالوا بينه وبين الماء، وذلك قبل مقتله بثلاث.
وناداه عبد الله بن [أبي] حصين الأزدي: يا حسين، ألا تنظرُ إلى الماء كأنَّه كبدُ السماء؟ واللهِ لا تذوقُ منه قطرة حتى تموتَ عطشًا. فقال الحسين رحمه الله: اللهمَّ اقْتُلْه عَطَشًا، ولا تَغْفِرْ له أبدًا (¬2).
قال حميد بن مسلم: واللهِ لقد عُدتُه في مرضه بعد ذلك، فكان يشربُ حتى يَبْغَر (¬3)، ثم يعود فيقيء، ثم يعود فيشرب حتى يَبْغَر، فما زال كذلك حتى مات عَطَشًا.
[قال الهيثم: ] (¬4) وناداه عَمرو بنُ الحجاج -وكان ممَّن كاتبه-: يا حسين، هذا الماء يلغُ فيه الكلاب، وتشربُ منه خنازير السَّواد والحُمُر والذئاب، وواللهِ لا تذوقُ منه قطرةً حتى تذوق الحميم في نار الجحيم (¬5).
فكان سماع هذا الكلام عليه أشدَّ من منع الماء.
ولما اشتدَّ العطش بالحسين - رضي الله عنه - وأصحابِه؛ دعا أخاه العبَّاس، وبعث معه ثلاثين فارسًا وعشرين راجلًا، وبعث معهم عشرين قِرْبة، فجاؤوا إلى الشريعة وعليها عَمرو
¬__________
(¬1) في "أنساب الأشراف" 2/ 481 و "تاريخ الطبري" 5/ 412: الشريعة. (وهي مورد الماء الذي يُستقى منه بلا رِشاء).
(¬2) أنساب الأشراف 2/ 481، وتاريخ الطبري 5/ 412.
(¬3) يعني: يشربُ ولا يَرْوَى. والكلام في المصدرين السابقين.
(¬4) ما بين حاصرتين من (م) والكلام الذي سلف من أول الفقرة إلى هذا الموضع لم يرد فيها.
(¬5) أنساب الأشراف 2/ 482.