كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 8)

ويا ثِمال الباقين (¬1). فقال لها الحسين - رضي الله عنه -: يا أُخَيَّة، لا يُذهِبْ حِلْمَك الشيطانُ. فقالت له: بأبي أنتَ وأمِّي يا أبا عبد الله، استَقْتِلْ، نفسي فداؤك (¬2). فردَّد غُصَّته، وترقرقت عيناه، ثم قال: ولو تُرك القَطا لَهَدَا وناما (¬3). فقالت: يا ويلتا! أتغتصبُ نفسك اغتصابًا، فذلك الذي أقْرَحَ قلبي. ثم لطمت وجهها، وشقَّت جيبَها، وخرَّتْ مغشيًّا عليها، فقام الحسين - رضي الله عنه -، فرشَّ قال وجهها الماء، وقال لها: يا أُخيَّة، اتقي الله، وتَعَزَّيْ بعزاء الله، وكلُّ شيءٍ هالكٌ إلا وجهَه.
ثم قام، فخرج إلى أصحابه، وأمرهم أن يُدخلوا البيوتَ بعضَها في بعض، ويستقبلوا العدوَّ من وجهٍ واحد.
فلما كان صباح يوم الجمعة -وقيل: يوم السبت- خرج عُمر بن سعد، وقد عَبَّأَ الحسين - رضي الله عنه - أصحابَه وقتَ صلاة الغداة، وكان معه اثنان وثلاثون فارسًا، وأربعون راجلًا، وجَعلَ زُهير بن القَين في الميمنة، وحبيب بن مظهر في الميسرة، وأعطى رايته العبَّاس بن عليّ، وجعلوا البيوت من وراء ظهورهم؛ وأمر الحسين - رضي الله عنه - بِحَطَبٍ وقَصَب أن يكونَ من ورائهم، ثم يُلقي فيه النار مخافةَ أن يأتوه من ورائه.
وكان مع الحسين - رضي الله عنه - خمسون رجلًا (¬4)، وأتاهم من الحُرّ (¬5) عشرون، وكان معه من أهل بيته تسعة عشر رجلًا.
¬__________
(¬1) في "أنساب الأشراف" 2/ 485، و "تاريخ الطبري" 5/ 420: يا خليفة الماضي، وثمالة الباقي. والثِّمال: الملجأ والغِياث.
(¬2) كذا في (ب) و (خ). وفي "تاريخ الطبري" 5/ 420: استقتلت نفسي فداك. وبنحوه في "الكامل" 4/ 59.
(¬3) أي: لَهَدَأ ونام. وهو مَثَل، ولفظُه أعلاه موزون (من الوافر) ولم أقف على هذا اللفظ؛ إنما لفظه في "تاريخ الطبري" 5/ 420 وغيره من المصادر وكتب الأمثال: لو تُرك القطا ليلًا لنام، والقَطَا -وهو جمع قَطاة؛ من الطيور- لا يسري ليلًا، والمثَل يُضرب لمن يَهِيج إذا هُيِّج. وينظر "مجمع الأمثال" 2/ 175.
(¬4) كذا في (خ)، ولم يرد في (ب) قوله: خمسون رجلًا. وقد سلف قبل أنه كان مع الحسين اثنان وثلاثون فارسًا، وأربعون راجلًا. والكلام ليس في (م). والله أعلم.
(¬5) هو الحرّ بن يزيد الذي حبس الحسين عن الرجوع وجعجع به؛ تركَ عُمر بن سعد، والتحق بالحسين - رضي الله عنه -.

الصفحة 128