كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 8)

واقتتل أصحابُه مع القوم قتالًا شديدًا، فكان أولَ من أنشبَ القتال سالمٌ مولى عُبيد الله بن زياد؛ برز من الصّفّ، فخرج إليه عبد الله بنُ عُمير (¬1) الكلبي، فقتلَه.
وأمرَ الحسين - رضي الله عنه -، فأضرموا النارَ في القَصَب خوفًا على الحُرَم (¬2)، فناداه شَمِر بن ذي الجَوْشَن: يا حسين، تعجَّلتَ النار في الدنيا قبل يوم القيامة. فعرفَه الحسين - رضي الله عنه - فقال: با ابنَ راعية المِعْزَى، أنتَ أولى بها صِلِيَّا (¬3)، يا ملعون، لقد أخبرني جدِّي أنَّ كلبًا يلغُ في دماء أهل البيت، وما إخالُك إلا إيَّاه (¬4).
ثم ركب الحسين - رضي الله عنه - راحلته، ونادى بأعلى صوته: أيُّها الناس، اسمعوا قولي ولا تعجلوا حتى أعتذرَ إليكم من مَقْدَمي عليكم، فإنْ قبلتُم عذري، وصدَّقتموني، وأعطيتموني النَّصَف، كنتم بذلك أسعد، ولم يكن عليَّ سبيل، وإنْ لم تقبلوا عذري، ولم تعطوني النَّصَف من أنفسكم {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ} [يونس: 71] {إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ} [الأعراف: 196].
فلما سمع أخواتُه وبناتُه كلامَه هذا؛ صِحْنَ وبَكَينَ، وارتفعت أصواتُهنَّ، فأرسل إليهنَّ العباسَ أخاه، وقال: قل لهنّ: اسكتن، فلعمري فليكثرنَّ بكاؤهم. ثم قال: لا يُبعد الله ابنَ عباس. أشار إلى قوله: لا تأخُذْ معك نساءك وبناتك (¬5).
فلما سكتْنَ، حمدَ الله تعالى، وأثنى عليه، ثم قال: أيُّها الناس، اُنْسُبُوني مَنْ أنا، ثم ارجعوا إلى نفوسكم، وعاتِبوها وانظروا، هل يحلُّ لكم قتلي؟ ! ألستُ ابنَ بنت نبيِّكم - صلى الله عليه وسلم -، وابنَ وَصِيِّه وابنِ عمِّه؟ ! أو ليس حمزةُ سيِّدُ الشهداء عمَّ أبي؟ ! أو ليس جعفرٌ
¬__________
(¬1) في (ب) و (خ): تميم. والمثبت من "أنساب الأشراف" 2/ 489، و "تاريخ الطبري" 5/ 429 - 430. والكلام فيهما بنحوه.
(¬2) سلف قبل فقرة "حديث كربلاء" أن الحسين - رضي الله عنه - أمر بإضرام النار من وراء البيوت مخافة أن يأتوه من ورائه.
(¬3) تاريخ الطبري 5/ 423 - 424.
(¬4) أنساب الأشراف 2/ 492 بنحوه.
(¬5) سلف قول ابن عباس له ص 20 في فقرة "ذكر مقام الحسين بمكة ومكاتبات أهل الكوفة".

الصفحة 133