كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 8)

يومَ القيامة والعذاب الأليم. فقال له شمر: إن اللهَ قاتلُك وصاحِبَك بعد سماعة. فقال له: يا ملعون، بالموت تُخوِّفُني؟ ! فواللهِ لَلْمَوتُ أحبُّ إليَّ من الخُلْد معكم. ثم رفع صوته ونادى: عبادَ الله، لا يَغُرَّنَّكم في دينكم هذا الجِلْفُ الجافي وأشباهُه، فواللهِ لا تَنالُ شفاعةُ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - قومًا هوقوا دماء ذرِّيَّته وأهلِ بيته.
وأرسل إليه الحسين - رضي الله عنه -: ارجعْ، فقد نصحتَهم كما نصحَ مؤمنُ آلِ فرعون قومَه، ولكن لا يفقهون (¬1).
وأولُ من زحف عليهم عُمر بن سعد؛ رَمَى بسهم وقال للناس: اشهدوا [أني أولُ من رمى] ثم (¬2) قال لمولاه وبيده الراية: يا دريد تَقَدَّم (¬3).
وبعثَ خمس مئة من الرُّماة، فأقبلوا إلى الحسين - رضي الله عنه -، فرشقوهم بالنَّبْل، فعقروا خيولهم، فصاروا كلُّهم رجَّالة (¬4). وقاتلوهم حتى انتصف النهار أشدَّ قتالٍ خلقه الله، ولا يقدرون على إتيانهم إلا من وجهٍ واحد لاجتماع أبنيتهم، وتقارب بعضها من بعض (¬5).
فلما رأى ذلك عُمر بن سعد أرسل رجالًا وقال: قَوِّضُوا الأبنية. فلم يقدروا من النَّبْل، فقال: حرِّقُوها. فجاؤوا بالنار، فقال الحسين - رضي الله عنه -: دعوهم يحوقونها، فإن حرقوها لم يستطيعوا أن يجوزوا إليكم منها ومن النار.
وحمل شَمِر حتى طعن فسطاط الحسين - رضي الله عنه - برمحه وقال: عليَّ بالنار حتى أُحرق هذا البيت على أهله. قال: فصاح النساء وخرجن من الفسطاط، وصاح به الحسين - رضي الله عنه -: يا ابنَ ذي الجَوْشَن، أنت تدعو بالنار لتحرق بيتي على أهلي! حرقك الله بالنار.
¬__________
(¬1) تاريخ الطبري 5/ 426 - 427.
(¬2) في (ب) و (خ): بما (؟ ) وأثبتُّ لفظة "ثم" من قِبلي. وانظر التعليق التالي.
(¬3) في (ب) و (خ): "أن تقدّم". وأصلحتُ العبارة، واستدركتُ ما بين حاصرتين من "تاريخ الطبري" 5/ 429 ليستقيم السياق. ولفظه فيه: "وزحف عمر بن سعد نحوهم، ثم نادى: يا ذُويد، أَدْنِ رايتَك. قال: فأدناها، ثم وضع سهمه في كبد قوسه ثم رمى فقال: اشهدوا أني أوَّلُ مَنْ رَمَى" وبنحوه في "أنساب الأشراف" 2/ 489.
(¬4) تاريخ الطبري 5/ 437.
(¬5) المصدر السابق 5/ 437 - 438.

الصفحة 135