وقال هشام: إن الحسين - رضي الله عنه - حين غُلب على عسكره ركبَ المُسَنَّاة (¬1) يريد الفرات، فقال رجل من بني دارم: ويلكم، حُولُوا بينه وبين الماء. ورماه بسهم، فوقع في حنك الحسين - رضي الله عنه -، فجعل يتلقَّى الدم ويبكي. فمات ذلك الرجلُ عَطَشًا، فكان يُبَرَّدُ له الماء، ولا يَرْوَى.
وأقبلَ شَمِر بن ذي الجَوْشَن في عَشَرة من أهل الكوفة نحو فسطاط الحسين - رضي الله عنه - الذي فيه أهله وعياله، فجاء الحسين - رضي الله عنه -، فحالوا بينه وبين عياله، فقال الحسين - رضي الله عنه -: ويلكم! إنْ لم يكنْ لكم دينٌ، وكنتُم لا تخافون يومَ المَعاد؛ فكُونُوا في أمر دنياكم أحرارًا ذوي أحساب، امنعُوا رَحْلي وأهلي من طَغَامِكم (¬2) وجُهَّالكم. فقال شَمِر: ذلك لك يا ابنَ فاطمة.
وأقْدَمَ عليه شَمِر بالرَّجَّالة، والحسينُ - رضي الله عنه - يَشُدُّ عليهم، فينكشفون عنه، ثم أحاطوا به (¬3).
وأقبل عُمر بن سعد، فقالت له زينب: يا عُمر، أيُقتل الحسين وأنت تنظر إليه؟ ! فسالت دموعُه على خدَّيه، وصرف وجهه عنها (¬4).
ونادى شمر في الناس: ويحكم، ما تنتظرون بالرجل؟ ! اقتلوه. فحملوا عليه من كل جانب، فضربه زُرعة بن شريك التميمي على كتفه اليسرى، ثم على عاتقه (¬5)، فجعل يكبُو وهو يقاتل، وطعنَه سِنان بن أنس بن عمرو النَّخَعي بالرمح، فوقع. ثم قال لخَوْلي بن يزيد: احتزَّ رأسه. فأراد أن يفعل، فأُرْعِد وضعُف، فقال له سنان: فَتَّ اللهُ عضدك، وأبان يدك. فنزل إليه وذبحه.
¬__________
(¬1) في (ب) و (خ): المياه. والمثبت من "تاريخ الطبري". والمُسَنَّاة: سدٌّ يُبنى لحجز ماء النهر، به مفاتح للماء.
(¬2) الطَّغَام: أوغاد الناس، الواحد والجمع فيه سواء. "مختار الصحاح".
(¬3) طبقات ابن سعد 6/ 440 - 441، وتاريخ الطبري 5/ 450.
(¬4) أنساب الأشراف 2/ 500، وتاريخ الطبري 5/ 452.
(¬5) أنساب الأشراف 2/ 500 - 501، وتاريخ الطبري 5/ 453. وفي "طبقات ابن سعد" 6/ 441 أن زُرعة انتهى إليه، فضربه على كتفه اليسرى، وضربه حسين - رضي الله عنه - على عاتقه فصرعه.