كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 8)

فروى الطبريّ عن أبي مِخْنَف، عن سديوإن بن أبي راشد، عن حميد بن مسلم قال: شهدتُ ابنَ زياد وهو ينكتُ بقضيب بين ثَنِيَّتَيهِ ساعةً، فلما رآه زيد بنُ أرقم لا يُنْجِمُ (¬1) عن نَكْتِه بالقضيب قال له: اعلُ بهذا القضيب عن هاتين الثَنِيَّتَين، فوالذي لا إله إلا هو، لقد رأيتُ شَفَتَي رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - على هاتين الشَّفَتَين يُقَبِّلُهما. تم انْفَضَخَ (¬2) الشيخ يبكي، فقال له ابن زياد: أبكى الله عينَك، فواللهِ لولا أنَّك شيخ قد خَرِفْتَ وذهبَ عقلك لضربتُ عنقك، فقام وخرج، فسمعت الناس يقولون: واللهِ لقد قال زيد بن أرقم قولًا لو سمعَه ابن زياد لقتلَه. فقلتُ: ما قال: قالوا: مرَّ بنا وهو يقول: أنتم يا معاشر العرب العبيدُ بعد اليوم، قتلتُم ابن فاطمة، وأمّرتُم ابنَ مَرجانة (¬3)، فهو يقتُلُ خِياركم، ويستعبد شِراركم، فبعدًا لمن رضيَ بالذّلّ والعار (¬4).
وقال الواقدي: لما قال ابن زياد لزيد بن أوقم ما قال، قال له زيد: واللهِ لأحدِّثنَّك حديثًا هو أغلظُ من هذا، رأيتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقعدَ حسنًا على فخذه اليمنى، وحسينًا على فخذه اليسرى، ثم وضع يده على نافوخهما وقال: "اللهمَّ إني أستودعُك إيَّاهما وصالحَ المؤمنين". فكيف كانت وديعتُك رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يا ابنَ زياد؟ ! ثم قام فخرج، ولم يعد إليه بعد هذا.
ولما فرغ ابنُ زياد من قرع الرأس بالقضيب كان له كاهن، فقال له: قم فضع قدمك على رأس عدوِّك. ففعل (¬5).
ولما حضر الرأس بين يدي ابن زياد، أمر بتقويره، فلم يتجاسر أحدٌ أن يُقدم عليه، فقام طارق بن المبارك الكوفي -وكان حجَّامًا [وهو] (¬6) جدّ أبي يعلى كاتبِ عُبيد الله
¬__________
(¬1) أي: لا يُقلع، وتحرفت في (ب) و (خ) إلى: لاهجه، والمثبت من "تاريخ الطبري" 5/ 456. والكلام ليس في (م).
(¬2) أي: بكى وكثر دمعه.
(¬3) مرجانة هي أمُّ عُبيد الله بن زياد.
(¬4) تاريخ الطبري 5/ 456. وينظر "أنساب الأشراف" 2/ 504 - 505.
(¬5) لم أقف عليه، ولم يرد في (م).
(¬6) لفظة "وهو" من عندي، من أجل السياق.

الصفحة 151