كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 8)

وكتب إليه معاوية: إني لأظنُّ أنَّ في رأسك نزوة، فوددتُ أني أدركتُها فأغفرَها لك.
قال مسافع بن شيبة: لقيَ الحسينُ - رضي الله عنه - معاويةَ بمكة عند الرَّدْم (¬1)، فأخذَ بِخِطامِ راحلته، فأناخ به، ثم سارَّه حسين طويلًا وانصرفَ، فزجر معاويةُ راحلتَه، فقال له يزيد: لا يزالُ رجلٌ قد عرضَ لك، فأناخَ بك! فقال: دعه، لعلَّه يطلبها من غيري فلا يسوغُها فيقتله.
ولما احتُضر معاوية، دعا يزيدَ، فأوصاه بما أوصاه به، وقال: انظُرْ حُسينَ بنَ علي ابنَ فاطمة بنتِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإنه أحبُّ الناسِ إلى الناس، فصِلْ رَحِمَه، وارْفُقْ به، يَصْلُحْ لك أمرُه، فإن يكنْ منه شيءٌ؛ فأرجو أن يكفيَك اللهُ بمن قتل أباه، وخذل أخاه (¬2).
ولما خرج الحسينُ رضي الله عنه قال له ابن عمر - رضي الله عنهما -: لا تَخْرُجْ، فإنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيَّرَه اللهُ بين الدنيا والآخرة، فاختار الآخرة، وإنك بَضْعَةٌ منه، ولا تنالُها. يعني الدنيا. فاعتَنَقَه وبكى. وودَّعه.
فكان ابنُ عمر يقول: غَلَبَنا حُسين على الخروج، ولَعَمْري لقد رأى في أبيه وأخيه عِبْرةً، ورأى من الفتنة وخِذْلانِ الناسِ لهم ما كان ينبغي له أن لا يتحرَّك ما عاش، وأن يدخل في صالح ما دخلَ فيه الناس، فإن الجماعةَ خير.
وقال أبو واقد الليثي: لقيتُ حسينًا بمَلَل (¬3)، فناشدتُه اللهَ أن يرجعَ، فقال: لا أرجعُ.
وقال جابر بن عبد الله: كلَّمْتُ حُسينًا، فقلت: اتَّقِ الله، ولا تضربِ الناسَ بعضَهم ببعض، فواللهِ ما حُمدتُم ما صنعتم. فعصاني.
وكتب إليه المِسْورُ بنُ مَخْرَمَة ينهاه عن الخروج.
¬__________
(¬1) في "القاموس": الرَّدْم: موضع بمكة يُضاف إلى بني جُمَح، وهو لبني قُراد.
(¬2) ينظر ما سبق من أول الفقرة في "طبقات" ابن سعد 6/ 422 - 423، و"مختصر تاريخ دمشق" 7/ 126 - 128، وما سلف بين حاصرتين منهما.
(¬3) مَلَل، بالتحريك: اسم موضع في طريق مكة بين الحرمين. ينظر "معجم البلدان" 5/ 194.

الصفحة 16