كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 8)

ثم دعا بالنساء والصبيان، فأجلسَهم بين يديه، فرأى هيئةً (¬1) قبيحة، فقال: قبَّح اللهُ ابنَ مرجانة، لو كان بينكم وبينه رَحِم؛ لما فعلَ بكم هذا.
قالت فاطمة (¬2): لما أجلسنا بين يديه رَقَّ لنا أوَّل شيء (¬3)، ولاطفَنا، فقام إليه رجل من أهل الشام فقال: هبْ في هذه -يعنيني- وكنتُ جارية وضيئة، فأُرعِدتُ وفَرِقْتُ، وظننتُ أنَّ ذلك جائزٌ لهم، وأخذتُ بثياب عمتي زينب، وكانت أكبرَ مني وأعقلَ، فقالت للرجل: كذبتَ وأثِمتَ، ماذاك لك ولا له. يعني يزيد. قالت: فغضبَ يزيد وقال: كذبتِ، إنَّ ذلك لي، ولو شئتُ أن أفعلَه لفعلتُ. فقالت: كلَّا واللهِ ما جعل الله لك ذلك إلا أن تخرجَ من ملَّتنا وتدينَ بغير ديننا.
قالت: فازدادَ غضبًا وقال: أتستقبليني بهذا؟ إنَّما خرج من الدِّين أبوكِ وجدُّكِ (¬4) وأخوك. فقالت زينب: بدين جدِّي وأخي وأبي اهتديتَ أنتَ وجدُّك وأبوك، فقال: كذبتِ يا عدوَّةَ الله. فقالت: أنت أميرٌ تشتمُ ظالمًا، وتقهرُ بسلطانك.
قالت: فكأنَّه استحيا، فسكت. فأعاد عليه الشاميُّ القول وقال: يا أمير المؤمنين، هبْ لي هذه الجارية. فقال: اُغْرُبْ، وهبَ الله لك حَتْفًا قاضيًا.
قالت: ثم قال يزيد: يا نعمان بن بشير: جَهِّزْهم بما يُصلحُهم، وابعثْ معهم رجلًا من أهل الشام أمينًا صالحًا، وخيلًا وأعوانًا.
ثم أمر بالنسوة أن ينزلن في دارٍ على حِدَة؛ معهنَّ أخوهنَّ علي بن الحسين - رضي الله عنه -. [قال: ] فخرجن حتى دخلن دار يزيد، فلم تبق امرأةٌ من آل معاوية (¬5) إلا استقبلتهنَّ تبكي وتنوح على الحسين - رضي الله عنه -. فأقاموا النياحة عليه ثلاثًا.
¬__________
(¬1) في (ب) و (خ): أهبة. والمثبت من "تاريخ الطبري" 5/ 461. والكلام ليس في (م).
(¬2) في "تاريخ الطبري" 5/ 461: فاطمة بنت علي. لكن قولها الآتي: وأخذتُ بثياب عمَّتي زينب، يعني أنها فاطمة بنت الحسين. وجاء كلامها فيه بعده ضمن سياقه، فقالت: وأخذتُ بثياب أختي زينب.
(¬3) في "تاريخ الطبري": وأمرَ لنا بشيء، بدل قوله: أول شيء.
(¬4) كذا في (ب) و (خ) حيث إن رواية المصنف هنا: فاطمة بنت الحسين. ولم ترد لفظة "وجدّك" في "تاريخ الطبري" حيث إن الرواية فيه: فاطمة بنت علي. والكلام ليس في (م).
(¬5) في (ب) و (خ): آل أبي سفيان. والمثبت من (م)، وهو الموافق لما في "تاريخ الطبري" 5/ 462.

الصفحة 162