وكان يزيد لا يتغدَّى ولا يتعشَّى إلا مع عليِّ بن الحسين، فدعاه يومًا، ودعا معه عَمرو (¬1) بن الحسن بن عليّ -وكان غلامًا صغيرًا- وخالدُ بنُ يزيد حاضر، فقال يزيد لعمرو: أتقاتلُ هذا؟ قال: لا، ولكن أعطني سكّينًا، وأعطِه سكّينًا، ثم أُقاتلُه. فضمَّه يزيد إلى صدره وقال: شنْشِنَةٌ أعرفُها من أَخْزَمِ، وهل تلدُ الحيَّةُ إلا حُوَيَّة (¬2)؟
ثم جهَّزَهم إلى المدينة، وبعثَ معهم رجلًا من أهل الشام، فكان يرفُق ويلطف، وينزلُ بهم حيث شاؤوا، وينزلُ عنهم ناحية، فقالت فاطمة لزينب: هذا الشاميُّ قد أحسن إلينا، وما مَعنا غير حُلِيِّنا نبعثُ به إليهء فبعثتُ إليه بِدُملُجي (¬3) وسِواري، وقلنا: لو أعطيناك الدنيا ما كافيناك، وما معَنا غير هذا. فقال الشاميّ: لو كان الذي فعلتُه معكم للدنيا؛ لكان في حُلِيِّكم ما يرضيني، ولكن واللهِ ما فعلتُه إلا لأجل رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - (¬4).
ولما فعل يزيد برأس الحسين - رضي الله عنه - ما فعل، تغيَّرت وجوه أهل الشام، وأنكروا عليه ما فعل، فقال: أتدرون من أين دُهي (¬5) أبو عبد الله؟ قالوا: لا. قال: من الفقه والتأويل، كأني به قد قال: أبي خيرٌ من أبيه، وأمِّي خيرٌ من أمِّه، وجدِّي خيرٌ من جدِّه، فأنا أحقُّ بهذا الأمر منه، ولم يلحظ قوله تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ} [آل عمران: 26]، فسُرِّيَ عن وجوه أهل الشام (¬6).
وكانت سُكينة بنت الحسين - رضي الله عنه - تقول: ما رأيتُ كافرًا بالله خيرًا من يزيد بن معاوية (¬7).
[وحكى الطبري أيضًا عن هشام، عن أبي مِخْنَف، عن أشياخه قالوا: لما جيء برأس الحسين، دخلوا مسجد دمشق ومروان بن الحكم جالس فيه، فقال: كيف
¬__________
(¬1) في "تاريخ الطبري": عُمر.
(¬2) طبقات ابن سعد 6/ 449، وتاريخ الطبري 5/ 462.
(¬3) الدُّملُج: سوار يحيط بالعَضُد.
(¬4) تاريخ الطبري 5/ 462 - 463.
(¬5) في "تاريخ الطبري": أُتي.
(¬6) تاريخ الطبري 5/ 363 - 364.
(¬7) المصدر السابق.