كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 8)

وغفل عنه ابنُ زياد، فخرج وقعد على فرسه (¬1) فقال: أين ابنُ الحرّ؟ قالوا: خرج فقال: عليَّ به. فخرج الشُّرَطُ إليه وقالوا: أجب الأمير. فدفع فرسه وقال: قولوا له: واللهِ لا آتيه طائعًا أبدًا (¬2). وسار في أصحابه، فأتى كربلاء، فوقف على مصارع القوم، واستغفر لهم، ثم سار إلى المدائن فنزلها؛ قال:
يقول أميرٌ غادرٌ أيُّ غادرٍ (¬3) ... ألا كنتَ قاتلتَ الحسين بنَ فاطِمَهْ
ونفسي على خِذْلانِهِ واعتزالِهِ ... وبيعةِ هذا الناكثِ العهدِ لائمَهْ
فيا ندمي ألا أكون نصرتُهُ ... ألا كلُّ نفسٍ لا تُسَدِّدُ نادِمَه
وإني على أن لا أكن من حُماتِهِ ... لذو حسرةٍ ما إن تفارقُ لازمَهْ
سقى الله أرواح الذين تأزَّرُوا ... على نصرهِ سُقيا من الغيثِ دائمَهْ
وقفتُ على أجداثهم ومجالهم ... وكاد الحشا ينقضُّ (¬4) والعينُ ساجِمَهْ
لعمري لقد كانوا مصاليتَ في الوَغَى ... سِراعًا إلى الهيجا حُماةً ضَراغِمَهْ
تآسَوْا على نصرِ ابنِ بنتِ نبيِّهم ... بأسيافهم آسادَ غِيلٍ خضارمَهْ (¬5)
فإنْ يُقتلوا فكلُّ نفسٍ تقيَّةٍ ... على الأرض قد أضْحَتْ لذلك واجمَهْ
وما إنْ رأى الراؤون أفضلَ منهمُ ... لدى الموتِ ساداتٍ وزُهْرًا قماقِمَهْ
أتقتلُهم ظلمًا وترجو ودادَنًا ... فدَع خِطَّةً ليست لنا بملائمِهْ
لعمري لقد راغمتُمونا بقتلهم ... فكم ناقمٍ منَّا عليكم وناقِمَهْ
أهُمُّ مرارًا أنْ أسيرَ بجحفلٍ ... إلى فئة زاغت عن الحقِّ ظالِمَهْ
فكُفُّوا وإلَّا زُرْتُكُم في كتائبٍ ... أشدَّ عليكم من زحُوفِ الدَّيالِمَهْ
¬__________
(¬1) في (م) بدل قوله: وغفل عنه ابن زياد ... ، جاء قول آخر، لفظه: ولعمري لو كنتُ معه لطال عليك أن تنال منه. قال: وخرج من عند عبيد الله بن زياد، وقعد على فرسه ...
(¬2) في (م): فخرج الشرطي إليه وقال: أجب الأمير، فوشجه (كذا) بالمقرعة ثم قال: تبًّا لك ولأميرك، أخبره أنني لا آتيه ...
(¬3) في "طبقات ابن سعد" 6/ 458، و"تاريخ الطبري" 5/ 470: حق غادر. والشعر لم يرد في (م).
(¬4) في "طبقات ابن سعد": يرفضّ.
(¬5) في "طبقات ابن سعد" 6/ 458، و"تاريخ الطبري" 5/ 470. ضراغمه. وجاء فيهما لفظة: خضارمه، في البيت الذي قبله.

الصفحة 176