كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 8)

وما ضيَّع الإسلامَ إلا قبيلُها ... تأمَّرَ نَوْكاها (¬1) ودامَ نعيمُها
وأضحَتْ قناةُ الملك في كفّ ظالمٍ ... إذا اعوجَّ منها جانبٌ لا يُقيمُها
فأقسمتُ لا تنفكُّ نفسي حزينةً ... وعينيَ تبكي لا يجفُّ سُجُومُها (¬2)
وقال [المدائني عن] رجل من أهل المدينة: خرجتُ أريدُ اللَّحاق بالحسين - رضي الله عنه - لما توجَّه إلى العراق، فلما بلغت (¬3) [الرَّبَذة] إذا برجل جالس [هناك] فقال لي: يا عبد الله، لعلك [تريدُ] أن تُمِدَّ الحسين؟ قلت: نعم. قال: وأنا كذلك، ولكن اقعد، فقد بعثتُ صاحبًا في (¬4)، والساعةَ يقدُم بالخبر. [قال: ] فلم تمض ساعة؛ وإذا بصاحبه قد أقبل وهو يبكي، فقال له: ما الخبر؟ فقال:
واللهِ ما جئتُكم حتى بَصُرتُ به ... في الأرض مُنْعَفِرَ الخدَّينِ منحورا
وحولَه فتيةٌ تَدمَى نحورُهُمُ ... مثل المصابيح يغشَوْن الدُّجَى نُورا
وقد حَثَثْتُ قَلُوصي كي أُصادفَهم ... من قبل ما ينكحون الخُرَّدَ الحُورَا
يا لَهْفَ نفسيَ لَوْ أنِّي لحقتُهمُ ... إذًا لَحُلِّيتُ إذْ حُلُّوا أساويرا
فقال الرجل المجالس:
اذْهبْ فلا زال قبر أنت ساكنُهُ ... إلى القيامةِ يُسْقَى الغيثَ ممطورا
في فتيةٍ بذلُوا للهِ أنفسَهم ... قد فارقوا المال والأهلينَ والدُّورا
وقال عقبة بن عمرو (¬5) العبسي [ويقال: إنه أول من رثاه، فقال هذه الأبيات]:
إذا العينُ قرَّت في الحياة وأنتمُ ... تخافون في الدنيا فأظلمَ نورُها
مررتُ على قبر الحسين بكَربَلا ... ففاضَ عليه من دموعي غزيرُها
وما زلت أبكيه وأرثي لشجوهِ ... وتسعد عيني دمعُها وزفيرُها
¬__________
(¬1) جمع أَنْوَك، أي: أحمق.
(¬2) تاريخ دمشق 44/ 197 (طبعة مجمع دمشق)، وفيه بيت خامس، وورد في "طبقات ابن سعد" 6/ 460 ثلاثة أبيات. قوله: سُجُومها، أي: سَيلُها وقَطْرُها.
(¬3) في (ب) و (خ): بلغ، والمثبت من (م). وما بين حاصرتين في هذا الخبر منها.
(¬4) في (ب) و (خ): لقيت صاحباك والمثبت من (م).
(¬5) في (م): عمر.

الصفحة 178