كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 8)

ونَقِّرِي ما شِئْتِ أَنْ تُنَقِّرِى (¬1) ... قد ذهبَ الصيادُ عمْكِ فابْشِرِي
لا بدَّ من أخذِكِ يومًا فاصْبِرِي (¬2)
ودخل ابنُ الزُّبير، فقال له: علامَ عزمتَ؟ فقال: نفسي تحدِّثُني بإتيان الكوفة. فقال له ابن الزُّبير: لو كان لي بها مثلُ ضيعتك (¬3) لَمَا عَدَلْتَ عنها.
ثم خافَ ابنُ الزُّبير أن يتَّهمه فقال: لو أقمتَ بالحجاز وأردتَ هذا الأمر ها هنا، ما خُولفَ عليك (¬4)، أقِمْ في هذا المسجد أجمعْ الناس عليك. فقال الحسين: واللهِ لأَنْ أُقْتَلَ خارجًا منها بِشِبْرٍ أحبُّ إليَّ من أَنْ أُقتلَ بها، ولَأَن أُقتلَ خارجًا عنها بشبرين أحبُّ إلي من أن أقتل خارجًا عنها بشبر. ولو كنتُ في جُحْرِ هامَّة، لاستخرجوني حتى يقتلوني، وواللهِ لَيَعْتَدُنَّ عليَّ كما اعتدتِ اليهود في السبت (¬5).
ودخلَ عليه ابنُ عباس من الغد (¬6)، فقال له: إنِّي لأتخوَّفُ عليك في هذا الوجه البوارَ والاستئصال، إن أهل العراق قومٌ غُدْر، فأقِمْ بهذا البلد، فإنك سيِّد أهل الحجاز، فإنْ كان القوم يريدونك؛ فاكتُبْ إليهم فليَنْفُوا عدوَّهم، ثم اقْدَمْ عليهم، فإن أبيتَ؛ فاخْرجْ إلى اليمن، فإنَّ بها حصونًا وشِعابًا، وهي أرضٌ عريضة، ولأبيك بها شيعة، وأنتَ عن الناس بمعزل، فكاتبِ الناس، وثَبِّتْ دُعاتَك في البلاد، فإني أرجو أن يأتيَكَ الذي تحبُّ. فقال له الحسين - رضي الله عنه -: يا ابن عمّ، واللهِ إني لَأَعلَمُ نُصحك وشفقتك، ولكن قد أزمعت المسير إلى العراق. فقال له: فإنْ كنتَ سائرًا؛ فلا تَسِرْ بنسائك وبناتك وصبيانك، فإني أحْافُ أن تُقتلَ كما قُتل عثمان ونساؤه وولدُه ينظرون
¬__________
(¬1) من قوله: ولأَنْ أُقتل بمكان كذا وكذا. . . إلى هذا الوضع، في "طبقات" ابن سعد 6/ 428، و"البداية والنهاية" 11/ 507، و"مختصر تاريخ دمشق" 7/ 142 - 143.
(¬2) الرَّجَز لطَرَفَة بن العبد، وهو في "ديوانه" ص 46، وفيه: لا بدَّ أن تُصادي يومًا فاصبري.
(¬3) الكلام بنحوه في "تاريخ" الطبري 5/ 383، وفيه: شيعتك.
(¬4) من قوله: ودخل ابن الزبير. . . إلى هذا الوضع، بنحوه في "تاريخ" الطبري 5/ 383.
(¬5) من قوله: أقم في هذا المسجد. . . إلى هذا الوضع، بنحوه في "تاريخ" الطبري 5/ 385.
(¬6) هذا هو الدخول الثاني لابن عباس على الحسين - رضي الله عنه -، كما في "تاريخ" الطبري 5/ 383. وأمَّا في رواية ابن سعد 6/ 427 - 428 فإنه دخل عليه مرة واحدة. وسلفت الإحالة عليه قريبًا.

الصفحة 21