كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 8)

وكتب إليه عمرو بن سعيد: أمَّا بعد، فإنَّ الحُسين قد توجَّه إليك، وفي مثلها تُعتَق أو تُسْتَرَقّ (¬1).
ولما خرج الحسين - رضي الله عنه - لقي عِيرًا من التنعيم قد أقبلوا بها من اليمن إلى يزيد بن معاوية من بَحير بن ريسان الحِمْيري عاملِه على اليمن، وعليها وَرْسٌ وطِيب، فأخذه، عليها الحسين - رضي الله عنه -، وأوفاهم كِراءها، وأخذ بعضَهم معه إلى العراق، فأحسن إليهم (¬2).
وقال الفرزدق: خرجْنا حُجَّاجًا؛ فلما كنَّا بالصِّفَاح (¬3)؛ إذ بركبٍ عليهم اليلامق (¬4)، ومعهم الدَّرَق، فلما دنوتُ منهم، إذا أنا بالحسين بن علي، فقلت: أبو عبد الله! فقال: يا فرزدق، ما وراءَك؟ قلت: أنتَ أحبُّ الناس إلى الناس، والقضاء في السماء (¬5)، والسيوفُ مع بني أميَّة (¬6).
قال يزيد الرِّشْك: حدَّثني من شافَهَ الحسين (¬7) قال: رأيتُ أبنيةً بفلاةٍ من الأرض مضروبةً، فقلت: لمن هذه؟ قالوا: للحسين. فأتيتُه، فإذا شيخ يقرأ القرآن ويبكي، ودموعُه تسيل على خَدَّيه، فقلت: بأبي أنتَ وأمِّي! ما أنزلك هذه البلاد؟ فقال: هذه كُتبُ أهلِ الكوفة إليّ، ولا أُراهم إلا قاتلي، فإنْ فعلوا ذلك؛ لم يَدَعُوا للهِ حُرْمَةً إلا انتهكوها، فيسلِّطُ الله عليهم من يُذِلُّهم حتى يكونوا أَذَل من فَرَمِ الأَمَة (¬8).
وقد كان الحسين - رضي الله عنه - قَدَّمَ مسلم بنَ عَقِيل ابن أبي طالب، إلى الكوفة، وأمره أن ينزل على هانئ بن عروة المُرادي، وينظرَ إلى اجتماع الناس إليه، ويكتب إليه بخبرِهم.
¬__________
(¬1) طبقات ابن سعد 6/ 429، والبداية والنهاية 11/ 507، ومختصر تاريخ دمشق 7/ 143، وما سلف بين حاصرتين منها.
(¬2) ينظر "أنساب الأشراف" 2/ 467 و"تاريخ الطبري" 5/ 385 - 386.
(¬3) موضع بين حُنين وأنصاب الحرم (حُدودِه). معجم البلدان 3/ 412.
(¬4) جمع يلمق، وهو القباء (ثوب يُلبس فوق الثياب). معرَّب.
(¬5) في (خ): والقضاء في القضاء. والمثبت من المصادر الآتية.
(¬6) طبقات ابن سعد 6/ 429، ومختصر تاريخ دمشق 7/ 144. وينظر "أنساب الأشراف" 2/ 468.
(¬7) في (خ): الخبر، والمثبت من "طبقات" ابن سعد 6/ 431.
(¬8) بعدها في "طبقات" ابن سعد: يعني مِقْنَعتَها. اهـ وهي ما تغطي به رأسها.

الصفحة 23