كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 8)

ودخل عُبيد الله القصر وقال لأسماء بن خارجة ومحمد بن الأشعث: عليَّ بهانئ. قالا: إنه لا يأتي إلا بأمان. قال: وهل أحْدَثَ حَدَثًا فيحتاجَ إلى الأمان؟ ! فإنْ لم يأتِ [إلا] بالأمان فآمِناه.
فلما دخلَ على ابن زياد قال له: يا هانئ، أما تعلمُ أن أبي دخل هذا القصر (¬1) فلم يترك فيه أحدًا من الشيعة إلا قتله إلا أباك، ثم أحسنَ إليك؟ قال: بلى. قال: فكان جزائي منك أن خَبَأْتَ في بيتك رجلًا ليقتلني؟ ! فقال: معاذ الله، ما فعلت. فأخرج الرجلَ الذي كان دسيسًا، فأُسْقِظَ في يد هانئ، وقال: أيها الأمير قد كان الذي بلغَك، ولن أضَيِّعَ يدَك (¬2) عندي، وأنتَ آمنٌ وأهلُك، فسِرْ حيثُ شئتَ.
ومِهْرانُ قائمٌ على رأس عُبيد الله وبيده العَنَزَة، وقد كَبا عُبيدُ الله، فقال مهران: واذُلَّاه! هذا العبدُ الحائكُ يؤمِّنُك في سلطانك! فقال: خُذْهُ. فأخذَ مِهْرانُ بضفيرتَيْ هانئ، وحلَّهما، وأخذ عُبيد الله العَنَزَة، فضربَ بها وَجْهَ هانئ، فكسرَ أنفَه وجبينَه وحبسَه (¬3).
وسمعَ الناسُ الهَيعَةَ، فقام أسماء بن خارجة فقال لابنِ زِياد (¬4): أَرُسُلُ غَدْر؟ ! أمرتَنا أن نأتيَك به، حتى إذا أتيناك به هشمتَ وَجْهَ الرجل، وأسلتَ دماءه على لحيته، وزعمتَ أنك تقتله! فقال ابنُ زياد: وإنَّك هاهنا! فأمر به، فلُهِزَ وتُعْتِع [به] (¬5).
وخافَ ابنُ الأشعث فقال: رضينا ما يفعلُ الأمير، فإنما هو مؤدِّب.
وبلغ عَمرَو بن الحجَّاج أنَّ هانئًا قد قُتل، فأقبلَ في مَذْحِج حتى أحاط بالقصر وقال: أنا عَمرُو بنُ الحجَّاج، فقال ابنُ زياد لشُرَيح: اخْرُجْ إليهم، فخرج فسكَّنهم (¬6).
¬__________
(¬1) في "تاريخ" الطبري 5/ 361: هذا البلد.
(¬2) في (خ): برّك. والمثبت من "تاريخ" الطبري 5/ 361.
(¬3) تاريخ الطبري 5/ 360 - 361.
(¬4) في (خ): فقام ابن زياد، بدل: فقال لابن زياد، والصواب ما أثبتُه، وينظر "تاريخ" الطبري 5/ 367.
(¬5) اللَّهْزُ: الضَّربُ بجُمْع الكفِّ في اللهازم والرَّقَبة، والتَّعْتَعَة. التحريك بعنف.
(¬6) تاريخ الطبري 5/ 367 - 368، وما سلف بين حاصرتين منه.

الصفحة 34