كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 8)

وكان ذلك في يوم عَرَفَة في ذي الحجة سنة ستٍّ وستين، واقتتلوا قبل طلوع الشمس، فلم يرتفع الضحى حتَّى هزموا (¬1) أهلَ الشام، وحمل ورقاء وعبدُ الله بنُ ضَمْرة على ابن المُخارق، فقتلاه، وحَوَوْا عسكرهم وما فيه، وفرُّوا.
وكان ابنُ المخارق قد تقدَّم عبدَ الله بنَ حملة، فالتقى أهلَ الشَّام (¬2) عبد الله بنُ حملة، فردَّهم، وأقبلوا معه، فبات مقابلًا لعسكر يزيد بن أنس، ثم أصبحوا على القتال، وذلك في يوم الأضحى، فهزمهم عسكرُ المختار أقبحَ من هزيمة أمسِ، وقتلوهم قتلًا ذريعًا، وانهزمَ ابنُ حملة حتَّى انتهى إلى ابن زياد فأخبره بما لَقُوا (¬3).
وفي رواية أن عسكر المختار لما هَزَمُوا أهل الشام ترجَّل عبد الله بنُ حملة ونادى: يَا أهل السمع والطاعة الكرَّةَ الكَرَّةَ (¬4). فحمل عليه عبد الله بنُ قُراد الخثعمي، فقتلَه، وحَوَى ما في عسكره، وأُتيَ يزيدُ بنُ أنس بثلاث مئة أسير، فضرب أعناقهم.
ومات يزيدُ بنُ أنس في آخر النهار، فصلَّى عليه ورقاء بن عازب الأسدي، ودفنَه، فلما رأى أصحابُه ذلك سُقط في أيديهم، وكسرَ موتُه قلوبَهم، فتسلَّلُوا، فقال لهم ورقاء: ماذا ترون؟ هذا عُبيد الله بنُ زياد في ثمانين ألفًا من أهل الشام، فأشيرُوا عليَّ، فإنَّما أنا واحدٌ منكم، فقالوا: قد هلك أميرُنا، وتفرَّقت عنا طائفة تسلَّلُوا من بيننا، فلو انصرفنا من قِبَلِ أنفسِنا من قَبْل لقاء عدوّنا، فيعلمون أنَما (¬5) رَدَّنا عنهم هلاكُ صاحبنا، وقد قَتَلْنا منهم أميرين، فلا يزالون لنا هائبين، ولو لقيناهم لكنَّا مخاطرين. فقال: هذا هو الرأي. فرجعوا على حامية لم يفقدوا غير يزيد بن أنس (¬6).
وبلغ أهلَ الكوفة رجوعُهم، ولم يعلموا السبب، وأُرْجِفَ أهلُ الكوفة بأنه قد هُزموا، فدعا المختارُ إبراهيمَ بنَ الأشتر، فعقدَ له على سبعة آلاف رجل، وقال له: سِرْ
¬__________
(¬1) وقع سهو لناسخ (ب) فكتب بعد هذا الموضع حوالي لوحة ونصف من موضع آخر، وهو الآتي قريبًا من قول شبث: حتَّى أخرج إلى أصحابي. ونُبّه في هامشها على أن يؤخر هذا الكلام.
(¬2) يعني المنهزمين ممن كان في جيش ربيعة بن المخارق.
(¬3) ينظر "تاريخ" الطبري 6/ 41 - 42.
(¬4) في "تاريخ الطبري" 6/ 42: الكرَّة بعد الفَرَّة.
(¬5) في "تاريخ الطبري" 6/ 43: أنَّا إنّما.
(¬6) المصدر السابق. وينظر "أنساب الأشراف" 6/ 57.

الصفحة 375