كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 8)

فأمرَ به المختارُ إلى السجن، ثم أحضره بعد ذلك، فأنشدَه:
أَلا أَبْلغْ أَبا إسحاقَ أنَّا ... نَزَوْنا نَزْوةً كانَتْ عَلَينا
خَرَجْنَا لا نَرى الضُّعفاء شيئًا ... وكان خُروجُنا بَطَرًا وحَينَا
نَراهُم في مصافِهمُ قليلًا ... وهم مِثْلُ الدَّبَى (¬1) حين التَقَينا
ومنها:
نُصِرْتَ على عدوِّك كلَّ يومٍ ... بكلِّ كتيبةٍ تَنْعَى حُسَينا
كنصر محمدٍ في يوم بدرٍ ... ويومَ الشِّعْبِ إذْ لاقَى حُنَينَا
فأَسْجِحْ إذْ ملكتَ فلو مَلَكْنَا ... لَجُرْنا في الحكومة واعتَدَينا
تَقَبَّلْ توبةً مني فإنّي ... سأشكرُ إنْ جعلتَ النَّقْدَ دَينَا
فأراد قتله، فقيل: إنه يحلفُ بالله لقد رأى الملائكة تقاتل على الخيول البُلْقِ بين السماء والأرض، فقال له المختار: فاصعد المنبر فأَعْلمِ المسلمين ذلك. فصعد، فأخبرهم ثم نزل، فخلا به المختار وقال: قد علمتُ أنك لم تَرَ الملائكة، وإنما أردتَ أن لا أقتلَكَ، فاذْهَبْ حيث شئتَ، لا تُفسد عَلَيَّ أصحابي (¬2).
وخرج أشرافُ الكوفة إلى البصرة وفيهم سُراقةُ بن مِرْداس وهو يقول:
ألا أبْلِغْ أَبا إسحاق أنّي ... رأيتُ البُلْقَ دُهْمًا مُصْمِتاتِ
كفرتُ بوَحْيكُم وجعلتُ نَذْرًا ... عليَّ قتالكم حتَّى المماتِ
أُرِي عينيَّ ما لم ترأياه ... كلانا عالمٌ بالتُّرَّهاتِ
إذا قالوا أقولُ لهم كَذَبْتُم ... وإنْ خرجوا لبستُ لهم لذاتي (¬3)
وفي رواية: أنَّه لما أُسر قال: ما أنتم أسرتُموني، ما أسَرَني إلَّا قومٌ على دوابَّ بُلْق، عليهم ثيابٌ بيض. فقال المختار: أولئك الملائكة. فأطلقَه (¬4).
¬__________
(¬1) أي: الجراد.
(¬2) تاريخ الطبري 6/ 54 - 55.
(¬3) كذا في (أ) و (ب) و (خ). وفي (ص): لذاتي، ولم يتبيَّن لي. وفي "تاريخ الطبري" 6/ 55، و"البداية والنهاية" 12/ 23: أداتي ..
(¬4) تاريخ الطبري 6/ 55. وينظر "العقد الفريد" 2/ 170.

الصفحة 379