كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 8)

وخافَ ابنُ الزُّبير مكيدةَ المختار، فأرسلَ من مكةَ عبَّاسَ بن سهل في ألفين، وقال له: إنْ رأيتَ القوم في طاعتي، وإلا فكايدهم حتَّى تُهلكهم.
وسار عباس، فالْتَقَوْا على الرَّقَم (¬1) وشُرَحْبيل على تعبئة، وعبَّاس على غير تعبئة، فقال له عبَّاس: ألستَ في طاعة ابن الزُّبير؟ فقال له ابنُ وَرْس: بلى. قال: فسِرْ بنا إلى عدوِّنا إلى وادي القُرى. فقال ابن وَرْس: إنما أُمرتُ أن آتيَ المدينةَ، فإذا نزلتُها رأيتُ رأيي، وكتبتُ إلى صاحبي فيرى رأيه. فرَدَّدَ عليه القول وهو لا يرجعُ عن الأوَّل، فعلم خلافه، فسكتَ ولم يُظهر له شيئًا ممَّا في نفسه.
ومضى فنزل على الماء، وبعثَ إلى ابن وَرْس بجزائر ودقيق وغنم، وكان ابنُ وَرْس قد جاع هو وأصحابُه، فاشتغلوا بالذبح والطبخ، فركب عبَّاس في أصحابه، وحملَ على القوم، فنادى ابنُ وَرْس أصحابَه: إليَّ يَا شُرَطَةَ الله، فإنَّ المُحِلِّين الملحدين قد فجروا وغَدَروْا (¬2). فلم يوافِ إليه من أصحابه سوى مئة رجل، فثبتَ وقاتل حتَّى قُتل في سبعين من أهل الحِفاظ، وانهزم الباقون، ومات بعضُهم بالعطش. وقيل (¬3): معظمُهم.
وبلغ المختارَ، فكتبَ إلى محمَّد بن الحنفية: أما بعد، فإنِّي كنتُ بعثتُ إليك جندًا ليُذِلُّوا لك الأعداء، ويحوزوا لك البلاد، فسارُوا إليك حتَّى إذا أطلُّوا (¬4) على طيبة، لَقِيَهم جندُ الملحد، فخدعوهم وغَرُّوهم، حتَّى إذا اطمأنُّوا إليهم ووثقوا بهم؛ وثَبُوا عليهم فقتلوهم، فإنْ رأيتَ أنْ أبعثَ (¬5) إلى المدينة جندًا كثيفًا، وتبعثُ إليهم من قِبَلِكَ رُسُلًا ليعلم (¬6) أهلُ المدينة أنّي في طاعتك، فافعلْ.
¬__________
(¬1) بفتح أوله وثانيه: جبال دون مكة بديار غطفان، وماء عندها أَيضًا. ينظر "معجم البلدان" 3/ 58. ووقع في "تاريخ الطبري" 6/ 73: الرقيم. وينظر "أنساب الأشراف" 6/ 75.
(¬2) في (أ) و (ب) و (خ): وعَدَوا، وفي (ص): بَغَوا علينا وفجرواه والمثبت من "تاريخ" الطبري 6/ 74.
(¬3) في (أ) و (ب) و (ص): وقُتل. والمثبت من (خ) وهو المناسب لما في عبارة الطبري 6/ 74: فرجعوا فمات أكثرهم في الطريق. وينظر "أنساب الأشراف" 6/ 76.
(¬4) في (خ): اطلعوا، وفي (ص): أظلوا. وكذلك هي في "تاريخ الطبري" 6/ 75. والمثبت من (أ) و (ب).
(¬5) المثبت من "أنساب الأشراف" 6/ 76، و"تاريخ" الطبري 6/ 75، ووقع في النسخ: فإنِّي رأيتُ أني أبعثُ وهو خطأ.
(¬6) في (أ) و (ب): لتعلم.

الصفحة 384