كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 8)

فكتب إليه ابنُ الحنفية: أما بعد، فإنِّي لو أردتُ القتال لوجدتُ النَّاس سراعًا إليَّ والأعوانَ كثيرًا، ولكنّي قد اعتزلتُ النَّاس، وصبرتُ حتَّى يحكم الله، وهو خير الحاكمين. وقال لرسول المختار إليه -واسمه صالح بن مسعود- قل له: فليتَّقِ الله، وليكفَّ عن الدماء (¬1)، وعليه بطاعة الله (¬2).
وفيها حبسَ عبد الله بنُ الزُّبير محمد بن الحنفيَّة ومن كان معه من أهل بيته وسبعةَ عشرَ (¬3) رجلًا من أشراف الكوفة.
وسببُه ما حكاه هشام بن محمَّد عن أبي مِخْنَف أنَّ ابنَ الزُّبير أرسل إليهم: بايِعُوا. فقالوا: حتَّى يجتمع النَّاس على إمام (¬4)، فحبَسَهم، وتوعَّدهم بالقتل والحريق، وضربَ لهم أجلًا لئن لم يبايعوا فيه ليحرقنَّهم، وحبسَهم في زمزم.
فأرسلوا إلى المختار، وأخبرُوه بالحال، وقالوا: قد تَواعَدَنا بالقتل والحريق، فلا تخذُلُونا كما خذلتُم الحسين وأهلَ بيته.
فلما وصل كتابُه (¬5) إلى المختار؛ جمع الشيعة، وقرأ عليهم الكتاب وقال: هذا كتاب مهديِّكم وصريحُ أهل بيت نبيّكم - صلى الله عليه وسلم -، وقد أصبح محصورًا ينتظرُ القتل والحريق. وقال: لستُ أَبا إسحاق إن لم أنصره نصرًا مؤزَّرًا. ثم سجع فقال: وأُسَرِّبُ إليهم الخيل في إثر الخيل، كالسَّيلِ يتلُوه السَّيل، حتَّى يَحُلَّ بابنِ الكاهليَّة الوَيل.
ثم جهَّز إليهم أَبا عبد الله الجَدَليّ، وظَبْيَان بن عثمان (¬6) التَّمِيمِيّ، وعُمير بن طارق، وغيرهم، في مئة وخمسين فارسًا أوَّلَا فأوَّل (¬7)، ويُسمَّوْن الخشبيَّة؛ لأنهم كانوا يقاتلون بالخشب، فقدموا مكة وهم ينادون: يَا لثَارات الحسين. فأَتَوْا زمزم وقد أعدَّ ابنُ الزُّبير
¬__________
(¬1) في (خ): الدنيا.
(¬2) تاريخ الطبري 6/ 75. وينظر "أنساب الأشراف" 6/ 76.
(¬3) في (أ) و (ب) و (خ) و (ص): تسعة عشر، والمثبت من (م) وهو الموافق لما في "تاريخ الطبري" 6/ 76.
(¬4) في (ب): أمر.
(¬5) في (م): كتابهم.
(¬6) في "تاريخ الطبري" 2/ 76: عمارة، وهو الأشبه، فلم يرد ذكر لظبيان بن عثمان في المصادر.
(¬7) في الكلام تفصيل غير هذا، فظبيان بن عثمان (أو ابن عمارة كما في التعليق قبله) لم يكن مع الله والخمسين هؤلاء الذين وصلوا أولًا إلى الحرم. ينظر "تاريخ" الطبري 6/ 76 - 77.

الصفحة 385