كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 8)

الحطب على بابها، وقد بقيَ من الأجل يومان. فكسروا بابَ زمزم، ودخلوا على ابنِ الحنفيَّة، فقالوا: خَلِّ بيننا وبين القوم. فقال: إنِّي لا أستحلُّ القتال في حَرَم الله.
وخافَهم ابنُ الزُّبير (¬1)، وخَرجَ ابنُ الحنفيَّة ومن معه إلى شِعبِ عليّ، وتتابعت جيوش المختار، حتَّى صار محمَّد في أربعة آلاف، وقدموا معهم بمال من عند المختار، فقسمه محمَّد في ذلك الجيش (¬2).
وقيل: إنَّ ابنَ الزُّبير امتنعَ من إخراجهم حتَّى يُبايعوا، فقال له أبو عبد الله الجَدَليّ: وربِّ الرُّكن والمقام، والحِلِّ والحرام، لتنتهينَّ أو لنُجالِدَنَّك (¬3) بأسيافنا جِلادًا يرتابُ منه المبطلون. ثم قالوا لمحمد: خلِّ بيننا وبين المُحِلّ (¬4). فنهاهم عن القتال.
وقد أخرج البخاريُّ (¬5) أنَّ ابنَ الزُّبير لمَّا دعاهم إلى البيعة قال ابنُ عبَّاس: وأين بهذا الأمر عنه؟ وأبوه حواريُّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وسنذكرُ الحديث فيما بعده وقال الهيثم: إنَّما حبسَهم في حبس عارم (¬6).
فصل
وفيها جهَّز المختار إبراهيمَ بنَ الأشتر لقتال أهل الشَّام، فخرج يوم السبت لثمان بقين من ذي الحجة سنة ستّ وستين، وقيل: سلخ ذي الحجة، وجهَّز معه وجوه أصحابه وفرسانهم وذوي البصائر منهم ممَّن قد شهد الحروب. وخرج المختار يشيِّعُه والكرسيُّ (¬7) بين يديه، وكان سادنُه حَوْشَب البُرْسُمي (¬8)، والمختار يقول:
¬__________
(¬1) في "تاريخ الطبري" 6/ 76 - 77 أنَّه قدم إليهم أبو المعتمر في مئة، وهانئ بن قيس في مئة، وظبيان بن عثمان في مئتين ... فلما رآهم ابنُ الزُّبير خافهم.
(¬2) المصدر السابق.
(¬3) في (أ) و (ب) و (خ) و (ص): لنُجادلنَّك، وأثبتُّ اللفظة أعلاه لقوله بعده: جِلادًا في النسخ المذكورة غير (ص)، فوقع فيها جدالًا. وعبارة الطبري 6/ 77 كما هو مثبت.
(¬4) في (ص): القوم.
(¬5) بنحوه في "صحيحه" (4665) وهو قطعة من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -.
(¬6) قال ياقوت في "معجم البلدان" 4/ 66: أظنُّه بالطائف.
(¬7) في (أ) و (ب) و (خ) و (ص): بشيعة الكرسي، وفي (أ): يشيّعه الكرسي. وفي (م): بشيعته والكرسي. والمثبت مناسب لما في "أنساب الأشراف" 6/ 77، و"تاريخ" الطبري 6/ 81.
(¬8) نسبة إلى بُرْسُم، بطن من حِمْير. ينظر "اللباب" 1/ 139.

الصفحة 386