كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 8)

يشكو إليه ما لقيَ من شَمِر، ومرَّ رجل من أصحاب أبي عَمْرة، فرأى الكتابَ مع العِلْج، فقرأ عنوانَه، فقال: وأين صاحبُ هذا الكتاب؟ قال: في الكلتانية، وإذا بينهم وبينها ثلاثة فراسخ، فأقبلُوا يسيرون إليه.
قال مسلم بن عبد الله الضِّبابي: وكنتُ مع شَمِر في تلك الليلة، فقلت: لو ارتحلتَ بنا من هذا المكان، فإنَّا نتخوَّف. فقال: كلُّ هذا فَرَقًا مَن الكذَّاب! واللهِ لا أَتحوَّلُ منه ثلاثة أيام، ملأَ الله قلوبكم رعبًا.
قال: وكان في ذلك المكان دَبَىً كثير، فبينما أنا بين النائم واليقظان؛ إذ سمعتُ وَقْعَ حوافر الخيل، فقلت: هذا صوتُ الدَّبَى، ثم إنني سمعتُه أشدَّ من ذلك، فقمتُ وإذا بهم قد أشرفوا علينا من التلّ وكبَّروا، ثم أحاطوابنا، وخرجنا نشتدّ على أرجلنا، وتركنا خيلَنا.
قال: فآتي على شَمِر وإنَّه لمشتمل ببُرْد محقَّق خَلِق، وكان أبرص، وكأني أنظر إلى بياض كَشْحَيهِ من فوق البُرْد، وإنه ليُطاعنُهم بالرُّمح، قد أعجلوه أن يلبس سلاحَه وثيابه.
قال: فمضينا وتركناه، فما هو إلا أن مكثتُ ساعة إذ سمعتُ: اللهُ أكبر، قُتل الخبيثَ (¬1).
وقال الهيثم: ولما أحاطوا به قاتل (¬2)، فأثخنوه، وذبحوه، وأوطأ أبو عَمْرَةَ الخيل على ظهره وبطنه.
وقال أبو اليقظان: خرج عليهم وبيده السيف وهو يقول: أنا قاتل الحسين بن علي، فحمل عليه عبد الرحمن بنُ عبد الله الهَمْداني، فطعنه، فأنفذه، ونزل فذبحه، وبعث برأسه إلى المختار، وألقى جُثَّته فأكلتها الكلاب (¬3).
¬__________
(¬1) تاريخ الطبري 6/ 52 - 53، وتاريخ دمشق 8/ 124.
(¬2) في (م): بقي يقاتل.
(¬3) ينظر "أنساب الأشراف" 6/ 65 - 66.

الصفحة 395