كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 8)

رضوان الله عليه، فجاء فجلس إليه وقال: من أين الرجل؟ قال: من اليمن. قال: ما فعل صاحبُنا الذي حرقَه الأسود بالنار فلم تضرَّه؟ قال: ذلك عبد الله بن ثُوب. فقال: ناشدُتك الله، أنتَ هو؟ قال: نعم. فقام عمر رضوان الله عليه، فقبَّل ما بين عينيه، ثم جاء به، فأجلسه بينه وبين أبي بكر رضوان الله عليه وقال: الحمدُ لله الذي لم يُمتني حتى أراني رجلًا من أمَّة محمد - صلى الله عليه وسلم - فُعِلَ به كما فُعل بإبراهيم الخليل - عليه السلام - (¬1).
وقال علقمة بن مَرْثد: انتهى الزُّهد إلى ثمانية من التابعين، منهم أبو مسلم الخَوْلَاني، ما كان يُجالس أحدًا يتكلَّم في أمور الدنيا إلا تحوَّل عنه (¬2).
وكان يصوم الدهر، ويقوم الليل، ويصلِّي كلَّ يوم وليلة أربع مئة ركعة ويقول: إنَّ الخيل لا تجري إلى الغابات وهي بُدْنٌ، إنما تجري وهي ضُمْر، وإنَّ بين أيدينا أيامًا لها نعمل (¬3).
وقال الحافظ أبو نُعيم: كان أبو مسلم كثيرَ الغزو لبلاد الروم، فإذا مرُّوا بنهر يقول: اُعْبُروا بسم الله. ويمرُّ بين أيديهم. فيمرُّون بالنهر الغَمْر، فربَّما لا يبلغ من الدوابّ إلا إلى الرُّكَب، أو قريبًا من ذلك، فإذا جاوز النهر قال: من ذهبَ له شيء فأنا ضامنٌ له. فألقى بعضُهم مِخْلاةً عَمْدًا، فلما جاوز قال الرجل: مِخْلاتي وقعت في النهر. قال:
¬__________
(¬1) أخرجه ابن عبد البَرّ في "الاستيعاب" ص 860، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" ص 493، و 494، من طريق إسماعيل بن عياش، عن شرحبيل بن مسلم، به. قال ابن عبد البر: صدر الخبر معروف مثله لحبيب بن زيد بن عاصم مع مسيلمة، فقتله مسيلمة. . . وإسماعيل بن عياش ليس بحجة في غير الشاميين. وقال الذهبي في "السير" 4/ 9: شرحبيل أرسل الحكاية.
وجاء آخر الخبر في (م) ما نصُّه: (وهذه رواية أبي نعيم، وقد ذكر القصة ابن عساكر وقال: لم يحترق منه إلا أمكنة لم يصبها الوضوء). اهـ. قلت: وقد أخرج ابن عساكر الخبر من رواية شرحبيل، وذكره أيضًا من رواية أبي بشر جعفر بن أبي وحشية، وفيه نحو الكلام الذي وقع في (م).
(¬2) حلية الأولياء 2/ 123، وصفة الصفوة 4/ 209. وذكر أبو نعيم الزهَّاد الثمانية في "الحلية" 2/ 87 في ترجمة عامر بن عبد الله بن قيس، (وهو أحدهم)، والستَّة الآخرون هم: أُوَيس القَرْني، وهَرِم بنُ حيَّان، والرَّبيع بن خُثيم، ومسروق بنُ الأَجْدَع، والأسود بن يزيد، والحسن البصري رضي الله - رضي الله عنهم -.
(¬3) حلية الأولياء 2/ 127 وتاريخ دمشق ص 500 (ترجمة أبي مسلم- طبعة مجمع دمشق)، وصفة الصفوة 4/ 210.

الصفحة 43