كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 8)

اتبعني. فإذا هي قد تعلَّقت ببعض أشجار النهر (¬1).
وروى ابنُ عساكر قال: كان أبو مسلم يخوضُ دجلة وهي ترمي بالخشب من مدِّها، ولا يضرُّه ذلك (¬2).
[قلت: هذا واحدٌ من الأمة شارك الخليل - عليه السلام - في خوض النار، وشارك موسى - عليه السلام - في خوض البحر] (¬3).
قال عطاء: قالت امرأة أبي مسلم الخَوْلاني: ليس لنا دقيق. فقال: هل عندكِ شيء؟ فقالت: درهمٌ بِعْنا بِهِ غَزْلًا. فقال: اِبْغِينيه، وهاتي الجِراب. وأخذَه ومضى إلى السوق، ووقفَ على بائع الطعام، فجاء سائل، فقال له: تَصَدَّقْ عليَّ للهِ تعالى. فأعطاه الدرهم، وعَمَدَ إلى الجِراب، فملأه من نُحاتةِ النَّجَّارِين، ثم أقبل إلى [باب] بيته، فرماه في الدِّهْليز، ومضى إلى المسجد.
فأخذتِ المرأةُ الجِراب، فإذا فيه دقيق حُوَّارَى (¬4)، فعجَنَتْ (¬5) منه وخَبَزَتْ. وجاء أبو مسلم بعد هَدِيءٍ (¬6) من الليل، فدخل فقدَّمَتْ إليه أرغفةً، فقال: من أين لكم هذا؟ ! قالت: من الدقيق الذي جئتَنا به في الجِراب، ولا تشتري إلا منه. فجعل يأكل ويبكي. ويقول: نعم (¬7).
وكانت لأبي مسلم منزلة من معاوية، كان إذا دخل عليه قام وقعد بين يديه.
¬__________
(¬1) أخرجه ابن عساكر في "تاريخه" ص 503 (ترجمة أبي مسلم) من طريق أبي نعيم، ولم أقف عليه في "الحلية". وذكره ابن الجوزي في "صفة الصفوة" 4/ 210.
(¬2) تاريخ دمشق ص 503 و 505.
(¬3) ما بين حاصرتين من (م).
(¬4) أي: دقيق أبيض، وهو لُباب الدقيق.
(¬5) في (ب) و (خ): فعجبت. والمثبت من (م)، وهو الموافق لما في المصادر.
(¬6) أي: حينَ هَدَأ الليل. ووقع في (م): هَوِيّ، أي: ساعة. ينظر "القاموس": (هدأ -هوى).
(¬7) تاريخ دمشق 508 - 509، وصفة الصفوة 4/ 211، وسير أعلام النبلاء 4/ 12. وليس فيها آخر الخبر قوله: "ويقول نعم" ونُسب الخبر في (م) للخطيب البغدادي، وقد أخرجه ابن عساكر من طريقه، ولم أقف عليه في "تاريخ بغداد".

الصفحة 44