كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 8)

[قلت: وهذا أحدُ الأقوال.]
وقال شقيق (¬1): خطب ابن عباس وهو على الموسم، فافتتح سورة البقرة، فجعل يقرأ ويُفسِّر، فجعلتُ أقول: ما رأيتُ ولا سمعتُ كلام رجلٍ مثلَه، لو سمعَتْهُ فارسٌ والروم لأسلَمَت (¬2).
[قال: وكان طاوس يقول. كان ابنُ عباس قد بَسَقَ (¬3) فِي العلم كما تبسق النخلة السَّحُوق على الوديّ الصغار (¬4).
وحكى الموفَّق رحمه الله (¬5) أن امرأةً ولَدَتْ لستة أشهر، فهمَّ عمر برجمها، فقال له ابنُ عبَّاس: ليس عليها ذلك؛ لأن الله تعالى يقول: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15]، وقال: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَينِ} [لقمان: 14]، فإذا أسقطنا العامين من ثلاثين شهرًا، بقي ستة أشهر مدةُ الحمل. فصار عمر إلى قوله.
قال الموفَّق: وقيل: إنَّ القائل لذلك عليُّ بن أبي طالب.
قلت: وهو الأصحّ.
وقد ذكرنا أنَّ عليًّا قال ذلك لعثمان] (¬6).
وقال عكرمة: كان عمر - رضي الله عنه - يُعِدُّ ابنَ عبَّاس للمعضلات، مع اجتهاد عمر ونظره.
وقال أبو صالح: لقد رأيتُ من ابن عبَّاسٍ مجلسًا، لو أنَّ [جميع] قريش فخرت به لكان فخرًا، رأيتُ الناسَ قد اجتمعوا إليه حتَّى ضاقَ بهم الطريق، فدخلتُ عليه، فأخبرتُه، فقال: ضَعْ لي وَضوءًا. فوضعتُ له، فتوضأ، ثم جلس وقال: اخْرُجْ فقل:
¬__________
(¬1) فِي (ص) و (م): وروى أبو نعيم أيضًا عن شقيق قال ... وما سلف بين حاصرتين منهما.
(¬2) حلية الأولياء 1/ 324، وصفة الصفوة 1/ 753.
(¬3) فِي (ص) (والكلام منها، وهو ما بين حاصرتين): يسبق. والمثبت من "صفة الصفوة" 1/ 753، و"مختصر تاريخ دمشق 12/ 308. وبَسَقَ النخلُ: طال
(¬4) النخلة السَّحُوق، أي: الطويلة، والوَدِيّ: صفار الفسيل، الواحدة: وَدِيَّة.
(¬5) التبيين فِي أنساب القرشيين ص 158.
(¬6) من قوله: قال: وكان طاوس ... إلى هذا الموضع (وهو ما بين حاصرتين) من (ص). وقول طاوس فِي "صفة الصفوة" 1/ 753.

الصفحة 449