كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 8)

حِيال وجهه، فأعرض عنّي. قال: فقلتُ: يا أمير المؤمنين، أتعرفُني؟ قال: فضحك حتَّى استلقَى على قفاه، ثم قال: نعم واللهِ إنِّي لأعرفُك، آمنتَ إذ كفروا، وأقبلتَ إذ أدبروا، ووفَيتَ إذْ غدروا، إنَّ أوَّلَ صَدَقةٍ بيَّضْتَ بها وجهَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ووجوهَ أصحابِه صدقةُ طَيِّئ، جئت بها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ثم أخذ يعتذرُ إليه. ثم قال: إنما فرضتُ لقومٍ أجحفت بهم الفاقة، وهم سادةُ عشائرهم لِما ينوبُهم من الحقوق. متفق عليه. قال الحُميدي: فقال عديّ: فإذًا لا أبالي (¬1).
وجاء عديّ إلى باب عثمان رضوان الله عليه وهو خليفة، فَحجبَه [نابل] مولى عثمان - رضي الله عنه -، فلما خرج [عثمان] إلى صلاة الظهر؛ عرضَ له عديّ، فأدناه [عثمان] ورحَّبَ به وانبسط إليه، فقال: أتيتُ بابَك فحَجَبني هذا عنك. فقال له عثمان بعد أن انتهره: لا تحجبْه، واجعله أوَّلَ داخل، فلعمري إنَا لنعرفُ فضلَه وحقَّه، ورأيَ الخليفتين فيه وفي قومه، وقد جاءنا بالصدقة يسوقُها والبلادُ تضطرم كأنها شُعَل النار من أهل الرِّدَّة، فحمده المسلمون على ما رأَوْا منه (¬2).
قال الواقدي: حضرَ عديُّ بن حاتم يوم الدار يوم قتل عثمان، فخرج الناس يقولون: قُتل عثمان، قُتل عثمان. فقال عديّ: لا تَحْبِقُ فِي قَتْلِهِ عَناقٌ حَوْليَّة (¬3) [وفي رواية: لا تحبق فيها عنز]. فلما كان يومُ الجمل؛ فُقئتْ عينُه، وقُتل ابنُه محمد مع أمير المؤمنين علي - رضي الله عنه -، وقُتل ابنه الآخر طريف مع الخوارج، فقيل له: يا أبا طريف، هل حَبَقَت العنز؟ قال: نعم، والتَّيسُ الأعظم (¬4).
و[حكى ابن سعد عن الواقدي وهشام بن محمد الكلبي قالا: ] شهد عديّ القادسية ويوم مِهْران وقسّ الناطف والنُّخيلة ومعه اللواء، وشهد الجمل وصفِّين والنهروان مع أمير المؤمنين عليّ رضوان الله عليه، وكان معه يوم الجمل لواء علي - عليه السلام - (¬5).
¬__________
(¬1) صحيح البخاري (4394)، وصحيح مسلم (2523) مختصر.
(¬2) طبقات ابن سعد 6/ 224، وتاريخ دمشق 47/ 87 (طبعة مجمع دمشق).
(¬3) العَناق: الأنثى من ولد المعز، وهذا مَثَل يُضرب فِي أمر لا يُعبأ به، ولا غَيرَ له، أي: لا يُدرك فيه بثأر. قاله الميداني فِي "مجمع الأمثال" 2/ 225.
(¬4) طبقات ابن سعد 6/ 224، وتاريخ دمشق 47/ 93 (طبعة مجمع دمشق). وما سلف بين حاصرتين من (ص).
(¬5) طبقات ابن سعد 6/ 224. وما سلف بين حاصرتين من (ص).

الصفحة 470