كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 8)

وقال الأحنف (¬1): قدمتُ على عمر، فاحْتَبَسَني عنده حَوْلًا، فقال: يا أحنف، قد بَلَوْتُك وخَبَرْتُك، فلم أرَ إلَّا خيرًا، ورأيتُ علانيتَك حسنةً، وأرجو أن تكونَ سريرتُك مثلَ علانيتك، فإنَّا كنَّا نتحدَّثُ أنَّما يُهلِكُ هذه الأمةَ كلُّ منافقٍ عليمِ اللسان.
[قال: ] (¬2) وكتبَ عمر - رضي الله عنه - إلى أبي موسى الأشعريّ: أمَّا بعد، فأُذَنْ للأحنف بن قيس وشاورْه، واسْمَعْ منه.
[قال: ] (¬3) وقال الحَسَن: ما رأيتُ شريف قوم كان أفضل من الأحنف.
[قال: ] وقال الأحنف: إنه ليمنعني من كثير من الكلام مخافةُ الجواب.
[قال: ] وتكلَّم الناسُ عند معاوية والأحنف ساكت، فقال معاوية: تكلَّم يا أبا بحر، فقال: أخافُ اللهَ إن كذبتُ، وأخافُكم إن صدقتُ (¬4).
[قال هشام: ] وأغلظ رجل للأحنف، فلمَّا وصلَ إلى نادي قومه؛ وقفَ وقال: إن كان عندك شيء آخر فقل، لئلا يسمعَك قومي، فيؤذوك.
[قال: وقال الأحنف: لست بحليم، ولكني أتحالم.
قال: ] وكانت عامَّة صلاة الأحنف بالليل، وكان يضع المصباح قريبًا منه، ويضع أصبعه فيه، ثم يقول: حَسِّ، ثم يقول: يا أحنف، ما حملك على أن صنعتَ كذا فِي يوم كذا (¬5)؟
وقيل له: إنك شيخ كبير، وإنَّ الصيام يُضعفُك، فقال: إني أُعِدُّه لشرّ طويل.
وكتب إليه عبد الملك بن مروان كتابًا يدعوه فيه إلى نفسه، فقال: يدعوني ابنُ الزرقاء إلى ولاية أهل الشام، واللهِ لوَدِدْتُ أنَّ بيني وبينهم جبلًا من نار، من أتانا منهم احترقَ فيه، ومن أتاهم منَّا احترق فيه (¬6).
¬__________
(¬1) فِي (ص) و (م): وفي رواية ابن سعد عن الأحنف قال ... وهو فِي "الطبقات" 9/ 93.
(¬2) المصدر السابق.
(¬3) طبقات ابن سعد 9/ 94.
(¬4) المصدر السابق.
(¬5) المصدر السابق.
(¬6) أنساب الأشراف 11/ 427، وطبقات ابن سعد 9/ 95.

الصفحة 488