كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 8)

وقال الأحنف: قد عرفتُ من نفسي العجلة فِي ثلاث؛ صلاتي إذا حَضَرَتْ حتَّى أُصلِّيَها، وجنازتي إذا حَضَرَتْ حتَّى أُغَيِّبَها فِي حفرتها، وابنتي إذا خطبها كُفْؤها حتَّى أزوِّجَه إيَاها (¬1).
وكانت فيه أناةٌ شديدة إلَّا فِي هذه الثلاث.
[وقال الهيثم بن عديّ: لما دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بني تميم إلى الإسلام ولم يجيبوا؛ بلغ الأحنف فقال: إنه ليدعو إلى مكارم الأخلاق، وينهى عن ملائمها. وأسلم الأحنف ولم يلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولما بلغ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - دعا له، واستغفر له] (¬2).
وبعثه عمر بن الخطاب رضوان الله عليه إلى خُراسان فِي جيش فيهم الحسن وابنُ سِيرِين، فَبَيَّتَ العدوَّ ليلًا وهو يقول:
إنَّ على كلِّ رئيسٍ حقّا ... أن يَخْضِبَ الصَّعْدَةَ أو تَنْدَقَّا (¬3)
ثم فتح مَرْوَرُوذ.
ذكر طرف من سؤدده وكلامه:
كان زياد بن أبيه يقول: قد بلغ الأحنف من الشرف والسؤدُد ما لا ينفعُه معه ولاية، ولا يضرُّه معه عزل، وإنه ليفرُّ من الشرف والشرف يتبعُه (¬4).
وقيلَ للأحنف: ما السؤدُد؟ قال: أن يخرج الإنسان من بيته وحده، ويرجع ومعه جماعة.
وقال الواقدي: وإلى الأحنف انتهى الحلم والسؤدُد.
وقيل للأحنف: بأيّ شيء سوَّدَك قومُك؟ فقال: لو عاب الناسُ ماءً ما شربتُه (¬5).
¬__________
(¬1) المصدر السابق.
(¬2) ما بين حاصرتين من (ص) و (م) وسلف نحوه أول الفقرة. وينظر "أنساب الأشراف" 11/ 389 و 400.
(¬3) تاريخ دمشق 8/ 427 (مصورة دار البشير)، والصَّعْدة: القناة، وهو فيه بالروايتين. وينظر "المعارف" ص 425.
(¬4) ينظر "التذكرة الحمدونية" 2/ 27، و"تاريخ دمشق" 8/ 429، و"المنتظم" 6/ 95.
(¬5) فِي (ص) و (م): ... الماء لم أشربه، ونُسب الكلام فيهما لابن عساكر، وهو فِي "تاريخه" 8/ 428 (مصورة دار البشير).

الصفحة 489