كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 8)

وقال خالد بن صفوان: قال [لي] العباس بن الوليد بن عبد الملك: أخْبِرْني عن تسويدكم الأحنف، وكنتم حيًّا لم تملكوا فِي جاهليَّة قطّ؟ !
فقلت له: سادَنا فِي خِصال: ما رأينا أشدَّ سلطانًا على نفسه منه، وقد يكون الرجلُ عظيمَ السلطان على نفسه ولا يكون بصيرًا بالمحاسن والمساوئ، ولم نر أحدًا (¬1) أبصر منه بذلك، وكان لا يحسد، ولا يجهل، ولا يدفع الحقّ (¬2).
[وقال الأصمعي: إنما أخذ الأحنف الحلم من قيس بن عاصم. وقد ذكرناه فِي سنة سبع وأربعين.
وقال المدائني: ] وكان الأحنف يومًا عند معاوية فِي وجوه أهل الشام، فقام رجل، فسبَّ أمير المؤمنين عليَّ بن أبي طالب رضوان الله عليه، فغضب الأحنف وقال: يا معاوية، لو علم هذا أنَّ رضاك فِي لعنِ الأنبياء لَلَعَنَهم، فاتَّقِ اللهَ، ودَعْ عنك [ذكر] أمير المؤمنين، فقد لقيَ ربَّه، وخلا بعمله، ولقد كان - واللهِ - المبرِّزَ بسَبْقِه، الطاهرَ ثوبُه، الميمونَ النقيبة، الَّذي عَمَّتْ مصيبتُه. فقال له معاوية: والله لتصعدنَّ المنبرَ، ولَتَسُبَّنَّه. فقال الأحنف: إن تُعْفِني فهو خيرٌ لك. قال: وكيف؟ قال: واللهِ لئن صعدث المنبر لأقولنَّ: إن معاوية أمرني بكذا وكذا. وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعمَّار: "تقتُلُك الفئةُ الباغية". فالعنوها. فقال معاوية: حسبُك (¬3).
و[قال الأصمعي: ] قال معاوية [يومًا] للأحنف: أخبرني عن قول الشاعر:
إذا ما مات مَيْتٌ من تميم ... فسرَّكَ أن يعيش فجِئْ بزادِ
بخبزٍ أو بلحمٍ (¬4) أو بإقْطٍ (¬5) ... أو الشيءِ الملفَّف (¬6) بالبِجادِ
¬__________
(¬1) فِي (د): ولم يُر أحدٌ.
(¬2) تاريخ دمشق 8/ 429، وما سلف وما يأتي بعده بين حاصرتين من (ص).
(¬3) من قوله: فقال له معاوية: والله لتصعدنَّ المنبر ... إلى هذا الموضع، وقع فِي (أ) و (د) و (خ) بعد الخبر الآتي، وهو خطأ، والمثبت من (ص)، وهو الموافق لما فِي "العقد الفريد" 4/ 28 - 29. والخبر فيه بنحوه.
(¬4) فِي (ص): بملح.
(¬5) والأَقِط: لبن محمَّض يجفف حتَّى يستحجر، ويطبخ به. قال فِي "مختار الصحاح": ربما جاء فِي الشعر: إِقْط، وزن: سِقْط. ورواية البيت فِي "العقد الفريد"2/ 462: بخبزٍ أو بتمرٍ أو بسمنٍ.
(¬6) فِي (خ): الملفلف (وكذا فِي الموضع الآتي).

الصفحة 490