كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 8)

ما الشيء الملفَّف [في البِجاد]؟ فقال [الأحنف]: السَّخينة. فقال معاوية: واحدةٌ بواحدة، والبادئ أظلم.
[قال الأصمعي: ] أراد معاوية تبكيت الأحنف [وتعييره بالأَقِط]. والبِجاد: كساءٌ مخطَّط من أكسية الأعراب يجعلُون فيه الأَقِط. والسَّخِينةُ: دقيق كانت قريش تجعلُه فِي القِدْر، وتخلطُه بماء، وتأكلُه فِي زمان الجَهْد، فكانت تُعيَّرُ به.
وفيه يقول حسان بنُ ثابت:
زَعَمَتْ سَخِينَةُ أنْ تُغالِبَ رَبَّها ... ولَيُغْلَبَنَّ مُغالِبُ الغَلَّابِ (¬1)
و[قال هشام: ] دخل الأحنف على معاوية، فقال له: يا أبا بَحْر، ما تقولُ فِي الأولاد؟ فقال: ثمار قلوبنا، وعمادُ ظهورِنا، فنحن لهم أرض ذليلة، وسماء ظليلة، فإنْ طلبوا فأعْطِهِم، وإنْ غضبوا فأرْضِهم، ولا تكن عليهم ثقيلًا فيملُّوا حياتَك، ويتمنَّوْا وفاتَك. فقال معاوية: للهِ دَرُّك، دخلتَ عليَّ وأنا مملوءٌ غيطًا على يزيد، فسلبتَه (¬2) من قلبي. فلمَّا خرج الأحنف من عند معاوية؛ بعث إلى يزيد بمئة (¬3) ألف درهم ومئتي ثوب، فبعث يزيد بنصفها إلى الأحنف.
[قال خليفة: ] وقال بعض أولاد الأحنف لجارية أبيه: يا زانية. فقالت: لو كُنْتُ زانيةً لأتيتُ بولد مثلِك. وبلغَ الأحنفَ، فقال: يا ليتَ ابني مات قبل هذا بعشرين سنة (¬4).
وقال الأحنف: إنَّ من السؤدُد الصبرَ على الذُّلِّ، وكفى بالحلم ناصرًا (¬5).
¬__________
(¬1) العقد الفريد 2/ 462. والبيت منسوب أيضًا لكعب بن مالك. كما فِي "طبقات فحول الشعراء" 1/ 222، وهو فِي ديوانه" ص 153، وفيه: جاءت سَخِينة كي تُغالبَ ... ويعني هنا بسَخينة قريشًا. وينظر "سيرة" ابن هشام 2/ 261.
(¬2) فِي "العقد الفريد" 2/ 437 (والخبر فيه بنحوه): فسللتَه. وينظر "أنساب الأشراف" 11/ 412.
(¬3) المثبت من (ص) وهو الموافق لما فِي المصدر السابق. وفي غيرها: بمئتي.
(¬4) بنحوه فِي "أنساب الأشراف" 11/ 394.
(¬5) تاريخ دمشق 8/ 444 (مصورة دار البشير)، والمنتظم 6/ 94. ونُسب القول فِي (ص) و (م) لهشام.

الصفحة 491