كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 8)

[وقال الأصمعي: كان أبو الأسود يركب في كل يوم ويُكثرُ الركوب، فقيل له: لو قعدتَ في البيت لكان أروحَ لبدنك. فقال: صدقتُم، ولكن في ركوبي فوائد رياضة وفُرجة، وسماع أخبار لا أسمعُها في بيتي، ولو قعدتُ في بيتي؛ ضجر مني أهلي وضجرتُ منهم، واجترأ عليَّ مِنْ خَدَمي مَنْ يهابُني (¬1).
وكان يقول: إعادة الحديث أشدّ من نقل الصخر من الجبال على أعناق الرجال.
وقال الرِّياشي: ] (¬2) اشترى أبو الأسود دارًا بألف دينار، وكان لها جارُ سوء، فباعها بألف درهم، فقيل له: بعت دارَك؟ ! فقال: لا, ولكن بعتُ جاري (¬3).
[وقال الأصمعي: ] وقفت امرأة عليه وهو في فسطاط (¬4) يأكل رُطَبًا، فقالت: السلام عليك. فقال: كلمة مقولة (¬5). فقالت: أطعمني مما بين يديك. فقال: يداكِ أقصرُ من الوصول إليه. قالت: أهلكني الجوع. قال: في المقابر سَعَة. ولم يطعمها.
[قال: ] ومرَّ به أعرابيّ وهو يأكلُ طعامًا في خيمة (¬6)، فقال: أتأذنُ لي في الدخول؟ قال: وراءك أوسع. قال: قد أحرقت الرمضاءُ رِجْلَيَّ. قال: بُلَّ عليهما تبردان (¬7). فقال: أطعمني ممَّا بين يديك. فقال: سيأتيك ما قُدِّر لك. قال: ما رأيتُ ألْأمَ منك! قال: قد رأيتَ، ولكنَّك نسيتَ.
ومن شعره:
يقول الأرذلون بنو قُشَيرٍ ... طَوال الدَّهْرِ لا تَنْسَى عَلِيّا!
فقلتُ لهم وكيف تَرَوْن تركي ... من الأعمال ما يقضي عَلَيَّا
أُحِبُّ محمَّدًا حُبًّا شديدًا ... وعباسًا وحمزة والوَصِيَّا
¬__________
(¬1) تاريخ دمشق 8/ 616، وهو بنحوه في "أنساب الأشراف" 10/ 40. وهذا الخبر من (م).
(¬2) الكلام بين حاصرتين من (م).
(¬3) ينظر "الأغاني" 12/ 318، و "وفيات الأعيان" 16/ 534.
(¬4) في (أ) و (ب) و (خ) و (د): فسطاطه. والمثبت من (م) وهو الموافق لما في "العقد الفريد" 6/ 185.
(¬5) في "العقد الفريد": مقبولة.
(¬6) في (أ) و (ب) و (خ) و (د): جفنة. والمثبت من (م).
(¬7) في النسخ الخطية: تبرد ... والمثبت من "العقد الفريد" 6/ 185.

الصفحة 496