كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 8)

ثم إن عبد الله حبسَ عمرًا في حبس عارم (¬1)، وحبس معه عارمًا -واسمه زيد (¬2) - وكانت دارًا، فقيل: سجن عارم، وبنى عبدُ الله بن الزبير لعارم بيتًا ذراعين في ذراعين، وأطبق عليه الجصّ والآجرّ بعد أن جعله فيه، وكان عارم مع عمرو بن الزبير.
ونادى منادي ابن الزبير: ألا مَنْ كانت له على عمرو بن الزُّبير ظُلامة، أو قصاص، فلْيحضُرْ. وكان قد ضربَ جماعة بالمدينة. فأحضره عبدُ الله بنُ الزُّبير وقال له: يا عدوَّ الله، المستحلَّ لحرمةِ الله، لَأضْربنَّك بكل سَوْط ضربتَ به أحدًا من الناس.
وطلبَ غرماؤه القصاص إلا المنذر [بن] الزبير (¬3)، وابنه محمد، وعثمان (¬4) بن عبد الله بن حكيم بن حزام، فإنَّهم أبَوْا أنْ يقتصُّوا منه.
وكان يُقام كل يوم فيُقتصُّ منه لمن ضربَه ضربًا وثيقًا (¬5). فقام مصعب بن عبد الرحمن بن عوف، فقال: جلدَني مئة سَوْط، وليس بوالٍ، ولم آتِ ذنبًا، ولم أخلع يدًا من طاعة. فقال له عبد الله: اقتصَّ منه. فضربَه مئة سَوْط. فنَغِلَ جسمُه (¬6)، فمات. فأمر به عبدُ الله، فصُلِب (¬7).
وقيل: صحَّ من ذلك الضربِ، وأُخرج من السجن، فمرَّ به عبدُ الله بنُ الزبير وهو جالسٌ بفِناء داره وقال: أبا يَكْسُوم (¬8)، ألا أراك حيًّا؟ ! ثم أمر به، فسُحب إلى السجن، فما بلغه حتى مات، فأمرَ به عبدُ الله، فطُرِح في شِعْب الخَيف، وهو المكان الذي صُلِبَ فيه ابنُ الزُّبير من بعد (¬9).
¬__________
(¬1) في (ب) و (خ): عامر، وهو خطأ. وعارم لقب لزيد غلام محمد بن عبد الرحمن بن الحارث، ويقال: غلام مصعب بن عبد الرحمن بن عوف. ينظر "أنساب الأشراف" 4/ 351، و "تاريخ دمشق" 55/ 73.
(¬2) في (ب) و (خ): يزيد، وهو خطأ.
(¬3) في النسختين (ب) و (خ): المنذر والزبير، والصواب ما أثبتُّه إن شاء الله. والكلام ليس في (م)، وينظر ما سلف ص 171.
(¬4) في (ب) و (خ): عمرو، وهو خطأ.
(¬5) كذا في (ب)، وهي مهملة من النقط في (خ) والكلام ليس في (م).
(¬6) أي: فسد.
(¬7) ينظر "أنساب الأشراف" 8/ 303، و"طبقات" ابن سعد 7/ 185، و "تاريخ دمشق" 55/ 73.
(¬8) أبو يكسوم لقب لأبرهة صاحب الفيل شبّه به أخاه. ينظر "اللسان" (بره).
(¬9) طبقات ابن سعد 7/ 188، وتاريخ دمشق 55/ 73.

الصفحة 52