كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 8)

ودخل عليه عمرو بن سعيد [بن العاص] الأشدق، ومعاويةُ ثقيل، فقال عمرو: كيف أصبحتَ؟ فقال: صالحًا. فقال: لقد أصبحت عينك غائرة، ولونُك كاسفًا وأنفك ذابلًا، فاعْهَدْ أيها الرجل [عهدك] ولا تخدعْ نفسَك، فقال:
وهل من خالدٍ إنَّا (¬1) هلكنا ... وهل في الموت يا لَلنَّاسِ عارُ (¬2)
[وحكى المدائني قال: ] حسر معاوية عن ذراعيه، فإذا كأنهما عَسِيبا نخل، وقال: هل الدنيا إلا ما جَرَّبْنا وذُقْنا؟ واللهِ لوَدِدْتُ أني لم أُعمَّر (¬3) فوق ثلاث حتى ألقى ربي.
ثم قال لابنته رَمْلة: حوِّلي أباك.
ثم قال:
لا يَبْعَدَنَ رَبِيعةُ بنُ مُكَدَّمٍ ... وسَقَى الغوادي قبرَه بذَنُوبِ (¬4)
فيقال: إنَّ هذا [كان] آخِرَ كلامه.
[وقال الواقدي: ] وكان عنده قميصُ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، وإزارُه، ورداؤه، وشيءٌ من شَعره، فقال: إذا أنا متُّ، فأَدْرِجوني في هذه الثياب، واحْشُوا منخري وشدقي شعر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وخلُّوا بين معاوية وبين أرحم الراحمين (¬5).
وقال الطبري (¬6): قال معاوية في مرضه: كساني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قميصًا فرفعتُه، وقلَّم أظفارَه، فأخذتُ قُلامَتَه، فجعلتُها في قارورة، فإذا متُّ، فألْبِسُوني قميصَه، واسحقوا تلك القُلامة، وذُرُّوها في عيني وفمي، عسى أن يرحمني ربِّي.
¬__________
(¬1) في "أنساب الأشراف" 4/ 174: إما.
(¬2) أنساب الأشراف 4/ 174. والخبر بنحوه في "تاريخ دمشق" 68/ 323.
(¬3) في "تاريخ دمشق" 68/ 324: أُغبَر. وينظر "طبقات" ابن سعد 6/ 22، و"أنساب الأشراف" 4/ 59.
(¬4) رُوي البيت لحسان بن ثابت ولغيره. وربيعة بن مُكَدَّم رجل من بني كنانة؛ كان قتلَه أهبان بن غادية الخزاعي، وقيس تقول: قتله نُبَيشة بن حبيب السُّلَمي، وكان أُهبان أخا نُبَيشة لأمه. والذَّنوب: الدَّلْو المَلْأى ماءً. ينظر "الكامل" للمبرّد 3/ 1458، و"معجم الشعراء" للمرزباني ص 36.
(¬5) تاريخ دمشق 68/ 330 و 331.
(¬6) تاريخ الطبري 5/ 336 - 327. وينظر "طبقات" ابن سعد 6/ 30، و "أنساب الأشراف" 4/ 173.

الصفحة 56