وأما قولك: أنا عبد الله، وأنت معاوية؛ فقد علمَتْ قريش أيُّنا أجودُ في الإزَم، وأجزلنا في العُدْم (¬1)، وأمنعُ للحُرَم، ولا واللهِ لا أراك (¬2) منتهيًا حتى تروم من بني عبد مناف ما رام أبوك، فقد طالبهم بالدخول، وقدَّم إليهم الخيول، وقد خدعتُم أميرَ المؤمنين، ولم تُراقبوا حُرْمةَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذْ مددتُم على نسائكم السُّجُوف (¬3)، وأبرزتُم زوجتَه للحُتوف، ومُقارعةِ السيوف، فلما التقى الجمعان نكص أبوك هاربًا، فلم يُنْجِه ذلك أن طحنَه أبو الحسين بِكَلْكَلِهِ (¬4) طَحْنَ الحصيد بأيدي العبيد. وأمَّا أنتَ فأَفْلتَّ بعد أن خَمَشَتْك بَراثنُه، ونالتْك مخالبُه. وَايمُ الله، لَيُقَوِّمُنَّك بنو عبد مناف بِثِقَافها (¬5)، ولَتُصْبِحَنَّ منها صَباح (¬6) أبيك بوادي السِّباع، وما كان أبوك بموهن حدّه (¬7)، ولكن كما قال الشاعر:
تنازلَ سِرْحانٌ فريسةَ حادرٍ (¬8) ... فَقَضْقَضَهُ (¬9) بالكَفِّ منه وَحَطَّما
وقال محمد بن السائب: اعتمر (¬10) معاوية في رجب -أو في بعض حَجَّاته- ولما قفل إلى الشام [و] بينا هو يسير في بعض الليالي إذا برجل يُسايرُه ويدنو منه، فقال: مَنْ أنت؟ فقال: عبد الله بنُ الزُّبير. قال: وما الذي أدناك مني؟ فقال ابن الزبير: لو شئتُ لقتلتُك منذ الليلة. فقال له معاوية: مه، لستَ من قَتَلَة الملوك، وإنَّما يَصِيدُ كلُّ طائر قَدْرَهُ من الطير. فقال ابن الزُّبير: إليَّ تقول هذا وقد سرتُ تحت لواء أبي لنصرة عثمان في قتال ابنِ أبي طالب وهو من تعرفُه. فقال: لا جرمَ قتلَ أباك بشماله ويمينُه فارغة. فقال ابنُ الزبير: كان ذلك في نُصرة عثمان. فقال: دَعْ عنك، فوالله لولا بِغْضَتُكَ لعليّ
¬__________
(¬1) كذا في (ب) و (خ). وبدلها في "العقد الفريد" 4/ 18: وأمضى في القُدُم. وذُكر في حاشيته: أحزم. (نسخة).
(¬2) في (ب): أزل، وفي (خ): أزال. والمثبت من "العقد الفريد".
(¬3) في (ب) و (خ): السحوق، والمثبت من "العقد الفريد".
(¬4) الكلكلل والكلكال: الصدر.
(¬5) الثِّقاف: أداة من خشب أو حديد تقوَّم بها الرماح لتستوي وتعتدل.
(¬6) في "العقد الفريد" 4/ 18: أو لتصيحنَّ منها صِياح ...
(¬7) كذا في (خ). وفي (ب): بموهن حدك. وفي "العقد الفريد": وما كان أبوك المرهوب جانبه.
(¬8) الحادر: الممتلئ البدن. ورواية البيت في "العقد الفريد" 4/ 18: أكيلة سِرْحان فريسة ضيغمٍ. والسِّرْحان: الثعلب.
(¬9) أي: كسره. وتحرفت اللفظة في (ب) و (خ) إلى: فقصفه.
(¬10) في (ب) و (خ): لما اعتمر ... وأثبتُّ السياق على الجادَّة. والواو الآتية بين حاصرتين زيادة من عندي للسياق.