كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 8)

ثم دعاه معاوية فقال: ما دعاك إلى هذا؟ فقال: نصحتُك إذْ غَشُّوك، وصَدَقتُك إذْ كَذَبُوك. فقال: ما أظنُّك إلا صادقًا. وقضى حوائجَه (¬1).
دخل أبو بُردة بن أبي موسى حمَّامًا، فزحَمَ رجلًا، فرفع الرجل يَدَه، فلطَم أبا بُرْدَة في وجهه، فقال عقبة الأسدي:
لا يَصْرِمُ اللهُ اليمينَ التي لها ... بوجهك يا ابنَ الأشعريّ نُدوبُ
فاستعدى عليه معاوية، فقال: إنه هجاني. قال: وما قال: قال: فأنشده البيت.
فقال: هذا رجل دعا ولم يقل إلا خيرًا. فقال أبو بُردة: فقد قال:
وأنت امرؤٌ في الأشعرين مقابَلٌ (¬2) ... لديهم وفي البطحاء (¬3) أنت غريبُ
فقال معاوية: وإذا كنتَ في الأشعريين مقبلًا؛ فما ذاك؟ فقال: فقد قال:
ولا أنا من حُدَّاثِ أمِّك بالضُّحى ... ولا مَنْ يزكِّيها بظهر مَغِيبِ (¬4)
فقال معاوية: وماذا عليه إذا لم يزكِّها؟ ولو كان قال: أنا من حُدَّاثها؛ لكان لك أن تغضب.
ثم قال معاوية: والذي قال لي أشدُّ. يعني قوله:
معاويَ إننا بشرٌ فأَسْجِحْ ... فلسنا بالجبال ولا الحديدِ (¬5)
الأبيات المتقدَّمة.
¬__________
(¬1) الخبر في "العقد الفريد" 1/ 52 دون قوله: (فلما وقف معاوية على الأبيات ... لندعو عليه). وينظر "أنساب الأشراف" 4/ 67، والتعليق السابق. فلعل ثمة وهمًا وقع.
(¬2) في (ب) و (خ): في الأشعريين مقبلًا. والمثبت من "العقد الفريد" 5/ 319. والمقابَل من الرجال: الكريم النسب من قبل أبويه.
(¬3) في "العقد الفريد": وفي البيت والبطحاء، وبدل: لديهم وفي البطحاء.
(¬4) في (خ) (والكلام منها): فقال عجيب بدل: بظهر مغيب (؟ ). وسقط البيت من (ب)، والكلام ليس في (م). والمثبت من "العقد الفريد". والحُدَّاث: أي الجماعة يتحدَّثون؛ قال ابن الأثير في "النهاية": هو جمع على غير قياس، حملًا على نظيره، نحو سامر وسُمَّار.
(¬5) ينظر ردّ ابن عبد ربّه رواية سيبويه: ولا الحديدا (بالنصب) في "العقد الفريد" 5/ 390 - 391.

الصفحة 80