ولما وفد على معاوية قال له: [ما] أنصفَك ابنُ أبي طالب، حيث قُتل أولادُك؛ طريف وطَرَفة وطراف (¬1)، وبقيَ أولادُه! فقال له عديّ: ما أنصفتُه أنا حيث استُشهد، وبقيتُ بعدَه. فقال معاوية: قد بقيَتْ من دم عثمان قطرة لا يمحوها إلا دمُ شريفٍ من أشراف اليمن. يعني عديًّا. فقال له عديّ: واللهِ إنَّ القلوبَ التي أبغضناك بها لفي صدورنا، وإنَّ سيوفَنا التي قاتلناك بها لعلى عواتقنا، ولئن أدْنَيتَ (¬2) إلينا من الغدر شبرًا لَنُدْنِيَنَّ إليك من الشَّرِّ باعًا (¬3)، وإنَّ جزَّ الحلقوم وحَشْرَجةَ الحَيزُوم (¬4) لأهونُ علينا [من] أن نسمعَ المساءةَ في أمير المؤمنين. فقال معاوية لكاتبه: اكتُبْها، فإنَّها كلمةٌ حكيمةٌ (¬5).
عمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة
كتب معاوية إليهما، فأقدَمَهما. [فقدم] عمرٌو من مصر، والمغيرةُ من الكوفة، فاجتمعا قبل الدخول عليه، فقال عمرو للمغيرة (¬6): ما دعانا إلا ليعزلنا، فإذا دخلتَ عليه، فاشتك الضعف، واستأذِنْه في إتيان المدينة، وأَستأْذنُه أنا في إتيان مكة، فإنه سيقع (¬7) في قلبه [أنَّا] إنما نُريد الفساد عليه، وتغيير قلوب الناس، فلما دخلا عليه ذكرا له ذلك، فقال: لقد تَواطَأْتُما على أمر، وإنكما لَتريدان شرًّا، ارجعا إلى عملكما.
مسكين الدارمي (¬8)
الشاعر، وفدَ على معاوية، فأنشد أبياتًا، منها:
¬__________
(¬1) سمَّاهم في "مروج الذهب" 5/ 18: الطَّرَفَات. وجاء ذكرهم في "اللسان" (طرف)، وفيه: مطرّف، بدل: طراف. وما سلف بين حاصرتين من "مروج الذهب".
(¬2) في (ب) و (خ): أذهب. والمثبت من "مروج الذهب" 5/ 18 والخبر فيه. وهو بنحوه في "العقد الفريد" 4/ 28، وفيه: مددتَ.
(¬3) في "مروج الذهب": ولئن أدنيت إلينا من الغدر فِتْرًا لنُدنينَّ إليك من الشرّ شِبرًا.
(¬4) الحَيزُوم: ما اكتنف الحلقوم من الصدر. ينظر "القاموس".
(¬5) "مروج الذهب 5/ 18، وينظر "العقد الفريد" 4/ 28، و"تاريخ دمشق" 47/ 96 - 97 (طبعة مجمع دمشق).
(¬6) في (ب) و (خ): فقال عمرو والمغيرة. والمثبت من "أنساب الأشراف" 4/ 53.
(¬7) في (ب) و (خ): سيشفع، والمثبت من "أنساب الأشراف" وما سيرد بين حاصرتين منه.
(¬8) هو ربيعة بن أُنيف، ومسكين لقبه، وتحرف في (ب) و (خ) إلى: شكر، وتنظر ترجمته في "مختصر تاريخ دمشق" 8/ 272 - 276.