كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 8)

فلو كنتُ بوَّابًا على بابِ جنَّةٍ ... لقلتُ لهَمْدان ادخُلي بسلامِ
ثم قال: اكتُبوا لها إلى العامل بالعدل والإنصاف. فقالت: ألي خاصَّة، أم لقومي عامَّة؟ فقال: وما أنتِ وقومُك؟ فقالت: إنه واللهِ لَلُؤْمٌ انفرادي عنهم، فإنْ كان عدلًا شاملًا؛ وإلَّا وَسِعَني ما وسِعَ قومي. فقال: اكتبوا لها ولقومها.

عِكْرِشَة بنت الأطرش (¬1)
دخلَت على معاوية مُتوكّئة على عُكَّاز، فسلَّمت عليه بإمرة المؤمنين، فقال: يا عِكْرِشة، الآن صِرتُ أميرَ المؤمنين؟ ! فقالت: نعم إذْ لا أبو حسن حيّ. فقال: ألستِ المتقلِّدةَ حمائلَ السيف في صِفِّين، وأنتِ قائمةٌ بين الصَّفَّين تقولين: أيُّها الناس، إن معاوية قد دَلَفَ (¬2) إليكم بعُجْم العَرَب، غُلْفِ القلوب، لا يفقهون الإيمان، ولا يدرون ما الحكمة، دعاهم بالدنيا فأجابوه، واستدعاهم إلى الباطل فلبُّوه، فاللهَ اللهَ عبادَ الله في دين الله، وإياكم والتَّثبُّط (¬3)، فإنه ينقُضُ عُرى الإيمان، ويُطفئ نورَ الحقّ. هذه بدرٌ الصغرى، والعقبةُ الأُخرى، يا معاشرَ المهاجرين والأنصار، امْضُوا على بصيرتكم (¬4)، واصبرُوا على عزيمتكم، لا يضرُّكم من ضلَّ إذا اهتديتُم، ألا وإنَّ الجنة تحت ظِلال السيوف، وهذا معاويةُ قد أتاكم بأهل الشام، كالحُمُر الناهقة، وأنتم أُسُودُ الشَّرَى (¬5).
قال: ما الذي حملكِ على ذلك؟ فقالت: دَعْ عنكَ هذا، فقد كانت صدقاتُنا تُؤخذ من أغنيائنا، فتردُّ في فقرائنا، وقد فقدنا ذلك، فما يُجْبَرُ لنا كَسِير، ولا يُنْعَشُ لنا فقير. فأمر بردِّ صدقاتِهم فيهم (¬6).
¬__________
(¬1) في "تاريخ دمشق" ص 254 (تراجم النساء - طبعة مجمع دمشق): عكرشة بنت الأطشّ بن رواحة.
(¬2) أي: مشى.
(¬3) في "العقد الفريد" 2/ 11، و"تاريخ دمشق" ص 254: والتواكل.
(¬4) في (ب) و (خ): نصرتكم. والمثبت من المصدرين السابقين. ولم ترد الترجمة في (م).
(¬5) قال ياقوت في "معجم البلدان" 3/ 330: يقال للشجعان: ما هم إلا أُسُود الشَّرَى. وقال بعضهم: شَرَى: مأْسَدَةٌ بعينها. وقيل: شَرَى الفرات: ناحيتُه، به غِياض وآجام تكون فيها الأسود ... وقال نصر: الشَّرَى؛ مقصور: جبلٌ بنجد في ديار طَيِّئ، وجبلٌ بتهامة موصوف بكثرة السِّباع.
(¬6) ينظر "العقد الفريد" 2/ 111 - 112، و "تاريخ دمشق" ص 254 - 255 (تراجم النساء- طبعة مجمع دمشق).

الصفحة 94