كتاب مستخرج أبي عوانة ط الجامعة الإسلامية (اسم الجزء: 8)

باب ذكر الأخبار الدالة على حظر صوم الدهر وإبطال فضيلته
3143 - حدثنا علي بن حرب، حدثنا مُعَلَّى بن مهدي (¬1)، ح.
وحدثنا الصاغاني (¬2)، حدثنا سليمان بن حرب، قالا: حدثنا حماد بن زيد، حدثنا غيْلان بن جرير، عن عبد الله بن مَعْبَد الزِّمَّاني (¬3)،
-[132]- عن أبي قتادة (¬4)، أن رجلا أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال يا رسول الله، كيف تصوم فغضب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من قوله. فلما رأى عمر غضب النبي -صلى الله عليه وسلم-، ورضي عنه، قال: رضينا بالله ربًّا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا، أعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله. فلم يزل يردد عمر هذا الكلام حتى سكن غضب النبي -صلى الله عليه وسلم-. فقال عمر: يا رسول الله، كيف بمن يصوم الدهر كله؟ قال: "لا صام ولا أفطر"، أو قال (¬5): "لم يصم ولم يفطر". قال:
-[133]- يا رسول الله، كيف بمن يصوم يومين ويفطر يوما؟ قال: "أو يطيق ذلك أحد؟ "، قال: يا رسول الله، كيف بمن يصوم يوما ويفطر يوما؟ قال: "ذاك صوم داود عليه السلام". قال: كيف بمن يصوم يوما ويفطر يومين؟ قال: "وددت أني طُوِّقتُ ذلك" (¬6). ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "صوم ثلاثة أيام من كل شهر، ورمضان إلى رمضان، فهذا صيام الدهر كله. وصيام يوم عرفة، إني أحتسب (¬7) على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده. وصيام يوم عاشوراء، إني أحتسب على الله أن يكفر في السنة التي قبلها (¬8). هذا حديث الصاغاني، وأما حديث علي فإلى قوله: "صيام الدهر كله".
¬_________
(¬1) معلى -بضم الميم وفتح المهملة وتشديد اللام-: ذكره ابن حبان في الثقات (9/ 182)، وكناه أبا يعلى. وقال الذهبي: صدوق في نفسه. وقال أبو حاتم: شيخ موصلي يحدث أحيانا بالحديث المنكر. (انظر: الجرح والتعديل، 8/ 335، ميزان الإعتدال، 4/ 151). وهو مقرون في هذا الحديث.
تنبيه: ذكر الحافظ في ترجمته من لسان الميزان (6/ 65)، أن العقيلي قال فيه: "عندهم يكذب"، وأحال على ترجمة إبراهيم بن ثابت. والذي قال فيه العقيلي الكلام المذكور هو معلى بن عبد الرحمن. نقل الحافظ كلام العقيلي في ترجمة إبراهيم بن باب البصري -وهو إبراهيم بن ثابت- في لسان الميزان (1/ 37، 42).
ومعلى بن عبد الرحمن، قال فيه الدارقطني: ضعيف يكذب (انظر: المغني في الضعفاء، 2/ 670). وقد نبه د. نور الدين عتر في تحقيقه على المغني في الضعفاء (2/ 670)، أن هذا لعله سهو من الحافظ.
(¬2) محمد بن إسحاق بن جعفر.
(¬3) بالكسر والتشديد، نسبة إلى زمان، بطن من ربيعة (لب الباب، 1/ 382). قال البخاري: لا يعرف سماعه من أبي قتادة (التاريخ الكبير، 5/ 198)، ومن أجل ذلك أورده ابن عدي والعقيلي في كتابيهما. وقد ذكره الإمام مسلم في الطبقة الأولى من =
-[132]- = التابعين من أهل البصرة، عدادهم في كبار التابعين (الطبقات، 1/ 333/ 1679).
وقد توفى أبو قتادة سنة 54، وقد لقيه وروى عنه من هو في طبقة عبد الله بن معبد، مثل أبي سلمة بن عبد الرحمن، فعلى مذهب الإمام مسلم تكون عنعنته محمولة على الاتصال.
ومتن الحديث له شواهد من حديث غير أبي قتادة، والله أعلم. ثم وقفت على رسالة د. مبارك الهاجري فذكره في القسم الثاني، وهم من غلب على الظن أنه سمع من الصحابي، أو لقيه، أو أدركه إدراكا بينا، وكان معه في بلد واحد، وسماعه منه غير بعيد، وذكر عن الخطيب البغدادي في "المتفق والمفترق" أن عبد الله بن معبد سمع من أبي قتادة (التابعون الثقات الذين اختلف في سماعهم من بعض الصحابة، ص 549 - 553، 850).
(¬4) مختلف في اسمه، والمشهور أنه الحارث بن ربعي -بكسر الراء وسكون الموحدة بعدها مهملة- السلمي -بفتحتين- المدني، فارس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (مسند أحمد، 5/ 297، تقريب التهذيب، 666).
(¬5) الشك من غيلان. بينه مسدد في حديثه عن حماد بن زيد عند أبي داود في السنن (كتاب الصيام، باب في صوم الدهر تطوعا، 2/ 808/ 2425)، وأبو هلال الراسبي =
-[133]- = في حديثه عن غيلان عند أبي يعلى (المسند، 1/ 103/ 139).
(¬6) أي ليته جعل ذلك في طاقتي وقدرتي، وإنما قاله لحقوق نسائه وغيرهن من المسلمين المتعلقين به والقاصدين إليه.
انظر: النهاية، 3/ 144، شرح مسلم للنووي، 8/ 50.
(¬7) في (م): "إني أحتسب عاشوراء، إني أحتسب على الله أن يكفر في السنة التي بعده"، وهو خطأ في النسخ. والصواب ما في ل وهو الذي أثبت.
(¬8) رواه مسلم بمثل هذا اللفظ من حديث قتيبة، ويحيى بن يحيى التميمي، جميعا عن حماد بن زيد به (كتاب الصيام، باب استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وصوم يوم عرفة وعاشوراء والإثنين والخميس، 2/ 818 - 819).

الصفحة 131