كتاب المصنف لعبد الرزاق الصنعاني - ط التأصيل (اسم الجزء: 8)

126- بَابُ أَصْحَابِ الأَمْوَالِ.
20945- أخبرنا عبد الرزاق، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَن يَحيَى بنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَن هِلاَلِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: بَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ، إِذْ قَالَ: إِنَّ مِمَّا أَتَخَوَّفُ عَلَيْكُمْ إِذَا فُتِحَتْ لَكُمْ زَهَرَاتُ الدُّنْيَا، وَزِينَتُهَا، فَتَنَافَسْتُمُوهَا، كَمَا تَنَافَسَهَا مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ، فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ كَالأَعْرَابِيِّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَهَلْ يَأْتِي الْخَيْرُ بِالشَّرِّ؟ فَسَكَتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاعَةً، حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ أُوحِيَ إِلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ وَهُوَ يَمْسَحُ الرُّحَضَاءَ عَن جَبِينِهِ: أَيْنَ السَّائِلُ؟ إِنَّ الْخَيْرَ لاَ يَأْتِي إِلاَّ بِالْخَيْرِ، وَإِنَّ مِمَّا يُنْبِتُ الرَّبِيعُ يَقْتُلُ، أَوْ يُلِمُّ، إِلاَّ آكِلَةَ الْخَضْرَاءِ، أَكَلَتْ، حَتَّى انْتَفَخَتْ خَاصِرَتَاهَا، ثُمَّ اسْتَقْبَلَتْ عَيْنَ الشَّمْسِ، فَبَالَتْ، وَثَلَطَتْ، وَنِعْمَ الصَّاحِبُ المَالُ، لِمَنْ أَعْطَى مِنْهُ المِسْكِينَ، وَالْفَقِيرَ، وَذَا الْقُرْبَى، أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
20946- أخبرنا عبد الرزاق، عَنْ مَعْمَرٍ، عَن صَاحِبٍ لَهُ، أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ كَتَبَ إِلَى سَلْمَانَ: أَنْ يَا أَخِي اغْتَنِمْ صِحَّتَكَ وَفَرَاغَكَ، قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ بِكَ مِنَ الْبَلاَءِ مَا لاَ يَسْتَطِيعُ الْعِبَادُ رَدَّهُ، وَاغْتَنِمْ دَعْوَةَ المُبْتَلَى، وَيَا أَخِي، لِيَكُنِ المَسْجِدُ بَيْتَكَ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ المَسْجِدَ بَيْتُ كُلِّ تَقِيٍّ، وَقَدْ ضَمِنَ اللهُ لِمَنْ كَانَتِ المَسَاجِدُ بُيُوتَهُمْ بِالرَّوْحِ وَالرَّحْمَةِ، وَالْجَوَازِ عَلَى الصِّرَاطِ إِلَى رِضْوَانِ اللهِ، وَيَا أَخِي، ارْحَمِ الْيَتِيمَ، وَأَدنِهِ مِنْكَ، وَامْسَحْ بِرَأْسِهِ، وَأَطْعِمْهُ مِنْ طَعَامِكَ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَتَاهُ رَجُلٌ يَشْكُو قَسْوَةَ قَلْبِهِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتُحِبُّ أَنْ يَلِينَ قَلْبُكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَأَدْنِ الْيَتِيمَ إِلَيْكَ، وَامْسَحْ بِرَأْسِهِ، وَأَطْعِمْهُ مِنْ طَعَامِكَ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُلَيِّنُ قَلْبَكَ، وَتَقْدِرُ عَلَى حَاجَتِكَ.
وَيَا أَخِي، لاَ تَجْمَعْ مَا لاَ تَسْتَطِيعُ شُكْرَهُ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: يُجَاءُ بِصَاحِبِ الدُّنْيَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، الَّذِي أَطَاعَ اللهَ فِيهَا وَهُوَ بَيْنَ يَدَيْ مَالِهِ، وَمَالُهُ خَلْفَهُ، فَكُلَّمَا تَكَفَّأَ بِهِ الصِّرَاطُ، قَالَ لَهُ: امْضِ، فَقَدْ أَدَّيْتَ الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْكَ، قَالَ: وَيُجَاءُ بِالآخَرِ الَّذِي لَمْ يُطِعِ اللهَ فِيهِ، وَمَالُهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، فُيُعْثِرُهُ مَالُهُ، وَيَقُولُ: وَيْلَكَ، هَلاَّ عَمِلْتَ بِطَاعَةِ اللهِ فِي مَالِكَ؟ فَلاَ يَزَالُ كَذَلِكَ يَدْعُو بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ.
وَيَا أَخِي، إِنِّي حُدِّثْتُ أَنَّكَ اشْتَرَيْتَ خَادِمًا، وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لاَ يَزَالُ الْعَبْدُ مِنَ اللهِ وَهُوَ مِنْهُ، مَا لَمْ يُخْدَمْ، فَإِذَا خُدِمَ، وَجَبَ عَلَيْهِ الْحِسَابُ، وَإِنَّ أُمَّ الدَّرْدَاءِ سَأَلَتْنِي خَادِمًا، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ مُوسِرٌ، فَكَرِهْتُ ذَلِكَ، لِمَا خَشِيتُ مِنَ الْحِسَابِ، وَيَا أَخِي، مَنْ لِي وَلَكَ بِأَنْ نُوَافِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلاَ نَخَافَ حِسَابًا، وَيَا أَخِي، لاَ تَغْتَرَّنَّ بِصَحَابَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّا قَدْ عِشْنَا بَعْدَهُ دَهْرًا طَوِيلاً، وَاللهُ أَعْلَمُ بِالَّذِي أَصَبْنَا بَعْدَهُ.

الصفحة 522