كتاب البداية والنهاية ط الفكر (اسم الجزء: 8)

قَدِّمْ لِنَفْسِكَ مَا اسْتَطَعْتَ مِنَ التُّقَى ... إِنَّ المنية نازلة بِكَ يَا فَتَى
أَصْبَحْتَ ذَا فَرَحٍ كَأَنَّكَ لَا تَرَى ... أَحْبَابَ قَلْبِكَ فِي الْمَقَابِرِ وَالْبِلَى
قال الامام أحمد: حدثنا مطلب بن زياد بن مُحَمَّدٍ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانٍ قَالَ قَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ لِبَنِيهِ وَبَنِي أَخِيهِ: «تَعَلَّمُوا فإنكم صغار قوم اليوم وتكونوا كِبَارَهُمْ غَدًا، فَمَنْ لَمْ يَحْفَظْ مِنْكُمْ فَلْيَكْتُبْ» . رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الْحَاكِمِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ عَنْ أَبِيهِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى وَأَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ قَالَا: ثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو الْأَصَمِّ قَالَ قُلْتُ لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ: إِنَّ هَذِهِ الشِّيعَةَ تَزْعُمُ أَنَّ عَلِيًّا مَبْعُوثٌ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، قَالَ: كَذَبُوا وَاللَّهِ! مَا هَؤُلَاءِ بِالشِّيعَةِ، لَوْ عَلِمْنَا أَنَّهُ مَبْعُوثٌ مَا زَوَّجْنَا نساءه ولا اقتسمنا ما له. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَلِيٍّ سُوَيْدٌ الطَّحَّانُ ثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ ثَنَا أَبُو رَيْحَانَةَ عَنْ سَفِينَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْخِلَافَةُ بَعْدِي ثَلَاثُونَ سَنَةً» فَقَالَ رَجُلٌ كَانَ حَاضِرًا فِي الْمَجْلِسِ: قَدْ دَخَلَتْ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثِينَ سِتَّةُ شُهُورٍ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ. فَقَالَ: مِنْ هَاهُنَا أُتِيتَ تِلْكَ الشُّهُورَ كَانَتِ الْبَيْعَةُ لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، بَايَعَهُ أَرْبَعُونَ أَلْفًا أَوِ اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ أَلْفًا.
وَقَالَ صَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: بَايَعَ الْحَسَنَ تِسْعُونَ أَلْفًا فَزَهِدَ فِي الخلافة وصالح معاوية ولم يسل فِي أَيَّامِهِ مِحْجَمَةٌ مِنْ دَمٍ. وَقَالَ ابْنُ أبى خيثمة: وحدثنا أَبِي ثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ قَالَ قَالَ أَبِي:
فَلَمَّا قُتِلَ عَلِيٌّ بَايَعَ أَهْلُ الْكُوفَةِ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ وَأَطَاعُوهُ وَأَحَبُّوهُ أَشَدَّ مِنْ حُبِّهِمْ لِأَبِيهِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: ثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ ثَنَا ضَمْرَةُ عَنِ ابْنِ شَوْذَبٍ. قَالَ: لَمَّا قُتِلَ عَلِيٌّ سَارَ الْحَسَنُ فِي أَهْلِ الْعِرَاقِ وَسَارَ مُعَاوِيَةُ فِي أَهْلِ الشَّامِ فَالْتَقَوْا فَكَرِهَ الْحَسَنُ الْقِتَالَ وَبَايَعَ مُعَاوِيَةَ عَلَى أَنْ جَعَلَ الْعَهْدَ لِلْحَسَنِ مِنْ بَعْدِهِ. قَالَ: فَكَانَ أَصْحَابُ الْحَسَنِ يَقُولُونَ: يَا عَارَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ: فَيَقُولُ لَهُمْ: الْعَارُ خَيْرٌ مِنَ النَّارِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا قُتِلَ عَلِيٌّ بَايَعَ النَّاسُ الْحَسَنَ بْنَ على فوليها سبعة وَأَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا. وَقَالَ غَيْرُ عَبَّاسٍ: بَايَعَ الْحَسَنَ أَهْلُ الْكُوفَةِ، وَبَايَعَ أَهْلُ الشَّامِ مُعَاوِيَةَ بِإِيلِيَاءَ بَعْدَ قَتْلِ عَلِيٍّ، وَبُويِعَ بَيْعَةَ الْعَامَّةِ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِنْ آخِرِ سَنَةِ أَرْبَعِينَ، ثُمَّ لَقِيَ الْحَسَنُ مُعَاوِيَةَ بِمَسْكِنَ- مِنْ سَوَادِ الْكُوفَةِ- فِي سَنَةِ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ فَاصْطَلَحَا، وَبَايَعَ الْحَسَنُ مُعَاوِيَةَ. وَقَالَ غَيْرُهُ: كَانَ صُلْحُهُمَا وَدُخُولُ مُعَاوِيَةَ الْكُوفَةَ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْ سَنَةِ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ. وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى تَفْصِيلِ ذَلِكَ فِيمَا تَقَدَّمَ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ هَاهُنَا.
وَحَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّهُ اصْطَلَحَ مَعَ مُعَاوِيَةَ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ مَا فِي بَيْتِ الْمَالِ الَّذِي بِالْكُوفَةِ، فَوَفَّى لَهُ مُعَاوِيَةُ بِذَلِكَ فَإِذَا فِيهِ خَمْسَةُ آلَافِ أَلْفٍ، وَقِيلَ سَبْعَةُ آلَافِ ألف، وعلى أن يكون خراج. وَقِيلَ دَارَابْجِرْدَ لَهُ فِي كُلِّ عَامٍ، فَامْتَنَعَ أَهْلُ تِلْكَ النَّاحِيَةِ عَنْ أَدَاءِ الْخَرَاجِ إِلَيْهِ، فعوضه معاوية عن كل سِتَّةَ آلَافِ أَلْفِ دِرْهَمٍ فِي كُلِّ عَامٍ، فَلَمْ يَزَلْ يَتَنَاوَلُهَا مَعَ مَا لَهُ فِي كل زيارة مِنَ الْجَوَائِزِ وَالتُّحَفِ وَالْهَدَايَا، إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ في

الصفحة 41