كتاب البداية والنهاية ط الفكر (اسم الجزء: 8)

الْجَنَّةِ، أَلَّا وَإِنَّهُ يَتَكَلَّمُ فِي كُلِّ يَوْمٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَيَقُولُ: أَنَا بَيْتُ الظُّلْمَةِ، أَنَا بَيْتُ الدُّودِ، أَنَا بَيْتُ الْوَحْشَةِ، أَلَا وَإِنَّ وراء ذلك يوم يَشِيبُ فِيهِ الصَّغِيرُ وَيَسْكَرُ فِيهِ الْكَبِيرُ، وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها، وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى وَلكِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَدِيدٌ 22: 2 أَلَا وَإِنَّ وَرَاءَ ذَلِكَ مَا هُوَ أَشَدُّ منه، نار حرها شديد، وقعرها بعيد، وجليها ومقامعها حديد، وماؤها صديد، وخازنها مالك لَيْسَ للَّه فِيهِ رَحْمَةٌ. قَالَ: ثُمَّ بَكَى وَبَكَى الْمُسْلِمُونَ حَوْلَهُ، ثُمَّ قَالَ: أَلَا وَإِنَّ وراء ذلك جنة عرضها السموات وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ، جَعَلَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ مِنَ الْمُتَّقِينَ، وَأَجَارَنَا وَإِيَّاكُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَلِيمِ. وَرَوَاهُ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ عَلِيًّا فَذَكَرَ نَحْوَهُ. وَقَالَ وَكِيعٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ أَوْفَى بْنِ دَلْهَمٍ قَالَ: خَطَبَ عَلِيٌّ فَقَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الدُّنْيَا قَدْ أَدْبَرَتْ وَآذَنَتْ بِوَدَاعٍ، وَإِنَّ الْآخِرَةَ قَدْ أَقْبَلَتْ وَأَشْرَفَتْ بِاطِّلَاعٍ، وَإِنَّ الْمِضْمَارَ الْيَوْمَ وَغَدًا السِّبَاقُ، أَلَا وَإِنَّكُمْ فِي أَيَّامِ أَمَلٍ مِنْ وَرَائِهِ أَجْلٌ، فَمَنْ قَصَّرَ فِي أيام أمله قبل حضور أجله فقد خاب عَمَلُهُ، أَلَا فَاعْمَلُوا للَّه فِي الرَّغْبَةِ كَمَا تعملون له في الرهبة، ألا وإنه لَمْ أَرَ كَالْجَنَّةِ نَامَ طَالِبُهَا، وَلَمْ أَرَ كالنار نام هاربها، وَإِنَّهُ مَنْ لَمْ يَنْفَعْهُ الْحَقُّ ضَرَّهُ الْبَاطِلُ، ومن لم يستقم به الهدى حاد بِهِ الضَّلَالُ، أَلَا وَإِنَّكُمْ قَدْ أُمِرْتُمْ بِالظَّعْنِ، وذللتم عَلَى الزَّادِ، أَلَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا الدُّنْيَا عَرَضٌ حَاضِرٌ يَأْكُلُ مِنْهَا الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، وَإِنَّ الْآخِرَةَ وَعْدٌ صَادِقٌ، يَحْكُمُ فِيهَا مَلِكٌ قَادِرٌ، أَلَا إِنَّ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ، وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عليم. أيها الناس: أحسنوا في أعماركم تحفظوا في أعقابكم، فَإِنَّ اللَّهَ وَعَدَ جَنَّتَهُ مَنْ أَطَاعَهُ، وَأَوْعَدَ نَارَهُ مَنْ عَصَاهُ، إِنَّهَا نَارٌ لَا يَهْدَأُ زَفِيرُهَا، وَلَا يُفَكُّ أَسِيرُهَا، وَلَا يُجْبَرُ كَسِيرُهَا، حَرُّهَا شَدِيدٌ، وَقَعْرُهَا بَعِيدٌ، وَمَاؤُهَا صَدِيدٌ، وَإِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ اتِّبَاعُ الْهَوَى وَطُولُ الْأَمَلِ. وَفِي رِوَايَةٍ فَإِنَّ اتِّبَاعَ الْهَوَى يَصُدُّ عن الحق، وإن طول الْأَمَلِ يُنْسِي الْآخِرَةَ. وَعَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ قَالَ: ذَمَّ رَجُلٌ الدُّنْيَا عِنْدَ عَلِيٍّ فَقَالَ عَلِيٌّ: الدُّنْيَا دَارُ صِدْقٍ لِمَنْ صَدَقَهَا، وَدَارُ نجاة لمن فهم عنها، ودار غنا وزاد لمن تزود منها، ومهبط وَحْيِ اللَّهِ، وَمُصَلَّى مَلَائِكَتِهِ، وَمَسْجِدِ أَنْبِيَائِهِ، وَمَتْجَرُ أَوْلِيَائِهِ، رَبِحُوا فِيهَا الرَّحْمَةَ، وَاكْتَسَبُوا فِيهَا الْجَنَّةَ، فمن ذا يذمها وقد آذنت بغيلها، ونادت بفراقها، وشابت بشرورها السرور، وببلائها الرغبة فيها والحرص عليها تَرْغِيبًا وَتَرْهِيبًا، فَيَا أَيُّهَا الذَّامُّ لِلدُّنْيَا الْمُعَلِّلُ نفسه بالأمالي متى خدعتك الدنيا أو متى اشتدت إِلَيْكَ؟ أَبِمَصَارِعِ آبَائِكَ فِي الْبِلَى؟ أَمْ بِمَضَاجِعِ أُمَّهَاتِكَ تَحْتَ الثَّرَى؟ كَمْ مَرِضْتَ بِيَدَيْكَ، وَعَلَّلَتْ بكفيك، ممن تَطْلُبُ لَهُ الشِّفَاءَ، وَتَسْتَوْصِفُ لَهُ الْأَطِبَّاءَ، لَا يغنى عنه دواؤك، ولا ينفعه بُكَاؤُكَ. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالْأَعْمَشُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ. قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عَلِيٍّ فَأَطْرَاهُ- وَكَانَ يُبْغِضُ عَلِيًّا- فَقَالَ لَهُ: لَسْتُ كَمَا تَقُولُ، وَأَنَا فَوْقَ مَا فِي نَفْسِكَ. وَرَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِعَلِيٍّ: ثَبَّتَكَ اللَّهُ قَالَ: عَلَى صَدْرِكَ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثَنَا

الصفحة 7