كتاب الكامل في التاريخ (اسم الجزء: 8)

وَسَكَنَ الشَّاذِيَاخَ، وَخُطِبَ لَهُ فِيهَا فِي شَعْبَانَ بِالسُّلْطَانِ الْمُعَظَّمِ، وَفَرَّقُوا النُّوَّابَ فِي النَّوَاحِي.
وَسَارَ دَاوُدُ إِلَى هَرَاةَ، فَفَارَقَهَا سُبَاشِي وَمَضَى إِلَى غَزْنَةَ، فَعَاتَبَهُ مَسْعُودٌ وَحَجَبَهُ، وَقَالَ لَهُ: ضَيَّعْتَ الْعَسَاكِرَ، وَطَاوَلْتَ الْأَيَّامَ حَتَّى قَوِيَ أَمْرُ الْعَدُوِّ وَصَفَا لَهُمْ مَشْرَبُهُمْ، وَتَمَكَّنُ مِنَ الْبِلَادِ مَا أَرَادُوا. فَاعْتَذَرَ بِأَنَّ الْقَوْمَ تَفَرَّقُوا ثَلَاثَ فِرَقٍ، كُلَّمَا تَبِعْتُ فِرْقَةً سَارَتْ بَيْنَ يَدَيَّ، وَخَلْفِي الْفَرِيقَانِ فِي الْبِلَادِ يَفْعَلُونَ مَا أَرَادُوا، فَاضْطَرَّ مَسْعُودٌ إِلَى الْمَسِيرِ إِلَى خُرَاسَانَ، فَجَمَعَ الْعَسَاكِرَ وَفَرَّقَ فِيهِمُ الْأَمْوَالَ الْعَظِيمَةَ، وَسَارَ عَنْ غَزْنَةَ فِي جُيُوشٍ يَضِيقُ بِهَا الْفَضَاءُ وَمَعَهُ مِنَ الْفِيَلَةِ عَدَدٌ كَثِيرٌ، فَوَصَلَ إِلَى بَلْخَ، وَقَصَدَهُ دَاوُدُ إِلَيْهَا أَيْضًا، وَنَزَلَ قَرِيبًا مِنْهَا، فَدَخَلَهَا يَوْمًا جَرِيدَةً (فِي طَائِفَةٍ يَسِيرَةٍ) عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنَ الْعَسَاكِرِ، فَأَخَذَ الْفِيلَ الْكَبِيرَ الَّذِي عَلَى بَابِ دَارِ الْمَلِكِ مَسْعُودٍ، وَأَخَذَ مَعَهُ عِدَّةَ جَنَائِبَ، فَعَظُمَ قَدْرُهُ فِي النُّفُوسِ، وَازْدَادَ الْعَسْكَرُ هَيْبَةً لَهُ.
ثُمَّ سَارَ مَسْعُودٌ مِنْ بَلْخَ أَوَّلَ شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ وَمَعَهُ مِائَةُ أَلْفِ فَارِسٍ سِوَى الْأَتْبَاعِ، وَسَارَ عَلَى جُوزَجَانَ، فَأَخَذَ وَالِيَهَا الَّذِي كَانَ بِهَا لِلسَّلْجُوقِيَّةِ، فَصَلَبَهُ، وَسَارَ مِنْهَا فَوَصَلَ إِلَى مَرْوِ الشَّاهِجَانِ، وَسَارَ دَاوُدُ إِلَى سَرَخْسَ، وَاجْتَمَعَ هُوَ وَأَخَوَاهُ طُغْرُلْبَك وَبَيْغُو، فَأَرْسَلَ مَسْعُودٌ إِلَيْهِمْ رُسُلًا فِي الصُّلْحِ، فَسَارَ فِي الْجَوَابِ بَيْغُو، فَأَكْرَمَهُ مَسْعُودٌ وَخَلَعَ عَلَيْهِ، وَكَانَ مَضْمُونُ رِسَالَتِهِ: إِنَّا لَا نَثِقُ بِمُصَالَحَتِكَ بَعْدَ مَا فَعَلْنَا هَذِهِ الْأَفْعَالَ الَّتِي سَخِطْتَهَا، كُلُّ فِعْلٍ مِنْهَا مُوبِقٌ مُهْلِكٌ. وَآيَسُوهُ مِنَ الصُّلْحِ، فَسَارَ مَسْعُودٌ مِنْ مَرْوَ إِلَى هَراةَ، وَقَصَدَ دَاوُدُ مَرْوَ، فَامْتَنَعَ أَهْلُهَا عَلَيْهِ، فَحَصَرَهَا سَبْعَةَ أَشْهُرٍ، وَضَيَّقَ عَلَيْهِمْ وَأَلَحَّ فِي قِتَالِهِمْ، فَمَلَكَهَا.
فَلَمَّا سَمِعَ مَسْعُودٌ هَذَا الْخَبَرَ سُقِطَ فِي يَدِهِ، وَسَارَ مِنْ هَرَاةَ إِلَى نَيْسَابُورَ، ثُمَّ مِنْهَا

الصفحة 12