كتاب موسوعة التفسير المأثور (اسم الجزء: 8)

يُقْبِلُ عليَّ، فيَعِظُني ويُخبِرُني أن لي ربًّا، وأن بين يديَّ جنةً ونارًا وحسابًا، ويُعْلِمُني بذلك ويُذَكِّرُني نحوَ ما كان يذكِّرُ القوم يوم الأحد، حتى قال فيما يقول لي: يا سلمان، إن الله تعالى سوف يبعثُ رسولًا اسمه أحمد، يخرجُ بتِهامةَ -وكان رجلًا أعجميًّا لا يُحْسِنُ أن يقولَ: تِهامَةُ. ولا: محمد-، علامتُه أنه يأكلُ الهدية، ولا يأكُلُ الصدقة، بينَ كَتِفَيه خاتم، وهذا زمانُه الذي يخرجُ فيه قد تقارب، فأما أنا فإني شيخ كبير ولا أحسَبُني أُدْرِكُه، فإن أدْرَكْتَه أنت فصدِّقْه واتَّبِعْه. قلتُ: وإن أمَرَني بترك دينك وما أنت عليه؟ قال: وإن أمَرك، فإن الحق فيما يَجِيءُ به، ورضا الرحمن فيما قال. فلم يَمْضِ إلا يسير حتى استيقظ فزعًا يذكُرُ الله، فقال: يا سلمان، مضى الفَيْءُ من هذا المكان ولم أذكُرِ الله، أين ما جعلتَ لي على نفسك؟ قال: قلتُ: أخْبَرتَني أنك لم تَنَم منذُ كذا وكذا، وقد رأيتُ بعض ذلك، فأحْبَبْتُ أن تَشْتَفيَ من النوم. فحمِد الله، وقام فخرَج فتَبِعْتُه، فقال المُقْعَدُ: يا عبدَ الله، دخَلتَ فسألتُك فلم تُعْطِني، وخرَجْتَ فسألتُك فلم تُعْطِني. فقام ينظُرُ هل يَرى أحدًا، فلم يَرَه، فدَنا منه فقال: ناوِلْني يدَك. فناوَلَه، فقال: قُمْ باسم الله. فقامَ كأنه نَشِط من عِقال، صحيحًا لا عيبَ فيه، فخلّى عن يدِه، فانطَلَق ذاهبًا، وكان لا يَلْوِي على أحد، ولا يقومُ عليه، فقال لي المُقْعَدُ: يا غلام، احمِلْ عليَّ ثيابي حتى أنْطِلقَ وأُبشِّرَ أهلي. فحمَلْتُ عليه ثيابَه، وانطلَق لا يَلْوي عليَّ، فخرَجْتُ في إثْره أطْلُبُه، وكلما سألتُ عنه قالوا: أمامك. حتى لَقِيني الركبُ من كَلْب، فسألتُهم، فلما سَمِعوا لُغَتِي أناخ رجل منهم بعيره، فحمَلني فجعلني خلفه حتى أتَوا بي بلادهم. قال: فباعوني، فاشترتني امرأة من الأنصار، فجعلتني في حائط لها، وقدِم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأُخْبِرتُ به، فأخَذْتُ شيئًا من تمر حائطي، فجعلتُه على شيء، ثم أتَيتُه فوَجدتُ عنده أُناسًا، وإذا أبو بكر أقربُ القوم منه، فوضَعْتُه بينَ يديه، فقال: «ما هذا؟». قلتُ: صدقة. فقال للقوم: «كُلُوا». ولم يأكُل هو، ثم لَبِثتُ ما شاء الله، ثم أخذتُ مثل ذلك، فجعَلتُه على شيء، ثم أتَيتُه، فوَجدتُ عنده أُناسًا، وإذا أبو بكر أقربُ القوم منه، فوَضَعتُه بين يديه، فقال: «ما هذا؟». قلتُ: هدية. قال: «باسم الله». فأكَل وأكَل القوم. قال: قلتُ في نفسي: هذه من آياته، كان صاحبي رجلًا أعجميًّا لم يُحْسِنْ أن يقولَ: تهامةُ، قال: تِهْمةُ. وقال: أحمد. فدُرْتُ خلفَه، ففَطِن لي فأَرخى ثوبه، فإذا الخاتم في ناحية كتفِه الأيسر، فتَبَيَّنْتُه، ثم دُرْتُ حتى جَلَسْتُ بين يديه، فقلتُ: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله. قال: «مَن أنت؟». قلتُ: مملوك. فحدَّثْتُه بحديثي

الصفحة 10