كتاب موسوعة التفسير المأثور (اسم الجزء: 8)
فالحَقُوا ببلادكم، فإني أكرَهُ أن يكونَ مني إليكم سُوءٌ. قالوا: نعم، ما تَعَمَّدنا مَساءَتَك، ولا أرَدْنا إلا الخير. فكَفَّ ابنُه عن إتْيانِهم، فقلتُ له: اتَّقِ الله، فإنك تعرِفُ أن هذا الدينَ دينُ الله، وإن أباك ونحن على غير دين، إنما هم عَبَدةُ النيران لا يَعْرِفون الله، فلا تَبِعْ آخرِتَك بدُنْيا غيرِك. قال: يا سلمان، هو كما تقولُ، وإنما أتخلَّفُ عن القوم بُقْيا عليهم، إن اتَّبَعْتُ القوم يطلُبُني أبي في الخيل، وقد جَزِع مِن إتْياني إياهم حتى طَرَدَهم، وقد أعرِفُ أن الحقَّ في أيدِيهم. قلتُ: أنت أعلم. ثم لَقيتُ أخي فعَرَضْتُ عليه، فقال: أنا مُشْتغِلٌ بنفسي في طلب المعيشة. فأتَيتُهم في اليوم الذي أرادوا أن يَرتَحلِوا فيه، فقالوا: يا سلمان، قد كُنّا نَحْذَرُ، فكان ما رأيتَ، اتَّقِ الله، واعلمْ أن الدينَ ما أوْصَيناك به، وإن هؤلاء عبدةُ النيران، لا يَعْرِفون الله ولا يذكُرونه، فلا يَخْدَعَنَّك أحدٌ عن ذلك. قلتُ: ما أنا بمُفارِقِكم. قالوا: إنك لا تَقْدِرُ على أن تكونَ معنا، نحن نصومُ النهار، ونقومُ الليل، ونأكُلُ الشجرَ وما أصَبْنا، وأنت لا تستطيعُ ذلك. قال: قلتُ: لا أُفارقُكم. قالوا: أنت أعلمُ، قد أعلمناك حالَنا، فإذا أبيْتَ فاطلبْ أحدًا يكونُ معك، واحمِلْ معك شيئًا تأكُلُه، فإنك لا تستطيعُ ما نستطيعُ نحن. قال: ففَعَلْتُ ولَقِيتُ أخي، فعَرَضْتُ عليه، فأبى، فأتَيتُهم فتَحَمَّلوا، فكانوا يَمْشون وأمشِي معهم، فرَزَقَنا الله السلامة حتى قدِمنا المَوْصِلَ، فأتَينا بِيعةً بالموْصِلِ، فلما دَخلوا حَفَوا بهم، وقالوا: أين كنتم؟ قالوا: كُنّا في بلادٍ لا يذكُرون الله، بها عبدةُ نيرانٍ فطَرَدُونا، فقَدِمْنا عليكم. فلما كان بعدُ قالوا: يا سلمان، إن هاهنا قومًا في هذه الجبال هم أهلُ دينٍ، وإنا نريدُ لقاءَهم، فكَنْ أنت هاهنا مع هؤلاء، فإنهم أهلُ دينٍ وسَتَرى منهم ما تحِبُّ. قلتُ: ما أنا بمُفارِقِكم. قال: وأَوْصَوا بي أهلَ البيعة، فقال أهل دين البيعة: أقِمْ معنا، فانه لا يُعجزُك شيءٌ يسَعُنا. قلتُ: ما أنا بمُفارِقِكم. فخرَجوا وأنا معهم، فأصْبَحنا بينَ جبال، فإذا صخرةٌ وماءٌ كثيرٌ في جِرارٍ وخبزٌ كثير، فقَعَدْنا عند الصخرة، فلما طَلَعَت الشمسُ خرَجوا مِن بين تلك الجبال، يخرُجُ رجلٌ رجلٌ مِن مكانِه، كأنّ الأرواحَ انتُزِعَت منهم، حتى كَثُروا، فرَحَّبوا بهم وحَفَوا، وقالوا: أين كنتُم، لم نَرَكم؟ قالوا: كُنّا في بلاد لا يذكرون اسم الله، فيها عَبَدةُ النيران، وكُنّا نعبُدُ الله فيها، فطَرَدونا. فقالوا: ما هذا الغلام؟ قالوا: فطَفِقوا يُثْنُونَ عليَّ، وقالوا: صَحِبَنا مِن تلك البلاد، فلم نَرَ منه إلا خيرًا. قال: فواللهِ، إنهم لكذا إذ طَلَع عليهم رجلٌ مِن كهف؛ رجلٌ طُوالٌ، فجاء حتى سَلَّم وجلَس، فَحفَوا به وعَظَّموه أصحابي الذين كنتُ معهم
الصفحة 7
768