كتاب موسوعة التفسير المأثور (اسم الجزء: 8)
وأحْدَقوا به، فقال لهم: أين كنتُم؟ فأخبَروه، فقال: ما هذا الغلامُ معكم؟ فأثْنَوا عليَّ خيرًا، وأخبَروه باتِّباعي إياهم، ولم أرَ مِثْلَ إعْظامِهم إياه، فحَمِد الله، وأثْنى عليه، ثم ذكَر مَن أرسَل الله مِن رُسُلِه وأنبيائِه، وما لَقُوا، وما صُنِع بهم، حتى ذكَر مولدَ عيسى ابن مريم، وأنه وُلِد بغير ذَكر، فبعَثه اللهُ رسولًا، وأجرى على يدَيه إحياء الموتى، وإبراء الأعمى والأبرص، وأنه يخلُقُ مِن الطين كهيئة الطير فينفُخُ فيه فيكونُ طيرًا بإذن الله، وأنزَل عليه الإنجيل، وعلَّمه التوراة، وبعَثه رسولًا إلى بني إسرائيل، فكفَر به قومٌ، وآمَن به قوم، وذكَر بعضَ ما لَقِي عيسى ابن مريم، وأنه كان عبدًا أنعَم الله عليه، فشكَر ذلك له، ورَضِي عنه، حتى قَبَضه الله، وهو يَعِظُمهم ويقولُ: اتقوا الله، والزَموا ما جاء به عيسى، ولا تُخالِفوا فيُخالَفَ بكم. ثم قال: مَن أراد أن يأخُذَ مِن هذا شيئًا فليَأخُذ. فجعَل الرجلُ يقومُ فيأخُذُ الجَرَّةَ مِن الماء والطعام والشيء، فقام إليه أصحابي الذين جئتُ معهم، فسَلَّموا عليه، وعَظَّموه، فقال لهم: الزَموا هذا الدينَ، وإياكم أن تَفَرَّقُوا، واسْتَوصُوا بهذا الغلامِ خيرًا. وقال لي: يا غلام، هذا دينُ اللهِ الذي تسمعُني أقولُه، وما سِواه هو الكفر. قال: قلتُ: ما أُفارِقُك. قال: إنك لن تستطيعَ أن تكونَ معي، إني لا أخرُجُ من كَهْفي هذا إلا كلَّ يوم أحَد، لا تقدرُ على الكينونة معي. قال: وأقبَل على أصحابِه، فقالوا: يا غلام، إنك لا تستطيعُ أن تكونَ معه. قلتُ: ما أنا بمُفارِقِك. قال: يا غلام، فإني أُعْلِمُك الآنَ أني أدخُلُ هذا الكهف ولا أخرُجُ منه إلى الأحد الآخر، وأنت أعلم. قلتُ: ما أنا بمُفارِقِك. قال له أصحابُه: يا فلان، هذا غلامٌ ونخافُ عليه. قال: قال لي: أنت أعلم. قلتُ: إني لا أُفارِقُك. فبَكى أصحابي الأوَّلون الذين كنتُ معهم عندَ فراقِهم إيّاي، فقال: خُذْ مِن هذا الطعامِ ما تَرى أنه يَكْفِيك إلى الأحدِ الآخر، وخُذْ مِن هذا الماء ما تَكْتَفي به. ففعلتُ، وتفرَّقوا، وذهَب كلُّ إنسانٍ إلى مكانِه الذي يكونُ فيه، وتَبِعتُه حتى دخَل الكهف في الجبل، فقال: ضَعْ ما معك وكُلْ واشرَبْ. وقام يُصَلِّي، فقُمْتُ معه أُصلِّي. قال: فانْفَتَل إليَّ، وقال: إنك لا تستطيعُ هذا، ولكن صَلِّ ونَمْ، وكُلْ واشرَبْ. ففعلتُ، فما رأيتُه نائمًا ولا طاعمًا إلا راكعًا وساجدًا إلى الأحد الآخر، فلما أصبحنا قال: خُذْ جَرَّتَك هذه، وانطلِق. فخرَجْتُ معه أتْبَعُه حتى انتَهَينا إلى الصخرة، وإذا هم قد خَرَجوا مِن تلك الجبال، واجْتَمعوا إلى الصخرة ينتظرون خُرُوجَه، فقعَدوا وجادَ في حديثه نحو المرة الأولى، فقال: الزَموا هذا الدينَ، ولا تَفَرَّقوا، واتقوا الله، واعلَموا أن عيسى ابن مريم كان عبد الله،
الصفحة 8
768