كتاب موسوعة التفسير المأثور (اسم الجزء: 8)

أنعَم الله عليه. ثم ذكَرُوني فقالوا: يا فلان، كيف وجَدْتَ هذا الغلام؟ فأثْنى عليَّ، وقال خيرًا، فحَمِدوا الله، وإذا خبزٌ كثيرٌ وماء فأخذوا، وجعل الرجل يأخُذ بقَدْر ما يَكتَفي به، ففعلتُ، وتَفَرَّقوا في تلك الجبال، ورجَع إلى كهفه، ورجعتُ معه، فلَبِثَ ما شاء الله، يخرُجُ في كلِّ يوم أحد، ويخرُجون معه، ويُوصِيهم بما كان يُوصِيهم به، فخرَج في أحد، فلما اجتمعوا حمِد الله ووعظهم، وقال مثلَ ماكان يقولُ لهم، ثم قال لهم آخر ذلك: يا هؤلاء، إني قد كَبِرَ سِنِّي، ورَقَّ عظمي، واقترب أجلي، وإنه لا عهد لي بهذا البيت منذ كذا وكذا، ولا بد لي من إتيانه، فاسْتَوصُوا بهذا الغلام خيرًا، وإني رأيتُه لا بأس به. فجَزِع القوم، فما رأيتُ مثلَ جَزَعِهم، وقالوا: يا أبا فلان، أنت كبير، وأنت وحدك، ولا نأمنُ أن يُصيبَك الشيء، ولسنا أحوجَ ما كُنا إليك. قال: لا تُراجِعوني، لا بد لي من إتيانه، ولكن اسْتَوصُوا بهذا الغلام خيرًا، وافعَلوا وافعَلوا. قال: قلتُ: ما أنا بمُفارِقِك. قال: يا سلمان، قد رأيتَ حالي وماكنتُ عليه، وليس هذا كذلك، إنما أمْشِي، أصومُ النهار، وأقومُ الليل، ولا أستطيعُ أن أحمِلَ معي زادًا ولا غيره، ولا تقدِرُ على هذا. قال: قلتُ: ما أنا بمُفارِقِك. قال: أنت أعلم. قالوا: يا أبا فلان، إنا نخافُ عليك وعلى هذا الغلام. قال: هو أعلم، قد أعْلَمتُه الحالة، وقد رأى ما كان قبل هذا. قلتُ: لا أُفارِقُك. قال: فبَكوا وودَّعوه، وقال لهم: اتقوا الله وكونوا على ما أوصيتُكم به، فإن أعِشْ فلعلي أرجعُ إليكم، وإن أمُتْ فإن الله حيٌّ لا يموت. فسَلَّم عليهم وخرَج وخرَجتُ معه، وقال لي: احمِلْ معك مِن هذا الخبز شيئًا تأكُلُه. فخرَج وخرَجتُ معه، يمشي وأَتبعُه يذكر الله، ولا يلتفتُ ولا يقفُ على شيء، حتى إذا أمسى قال: يا سلمان، صَلِّ أنت ونَمْ، وكُلْ واشرَبْ. ثم قام هو يُصَلِّي، إلى أن انتَهى إلى بيت المقدس، وكان لا يرفعُ طَرْفَه إلى السماء إذا أمسى، حتى انتَهَينا إلى بيت المقدس، وإذا على الباب مُقْعَد، قال: يا عبد الله، قد ترى حالي، فتَصَدَّق عليَّ بشيء. فلم يَلْتفِتْ إليه، ودخَل المسجد ودخلتُ معه، فجعَل يَتَتبَّعُ أمكنة من المسجد يصلِّي فيها، ثم قال: يا سلمان، إني لم أنَمْ منذُ كذا وكذا، ولم أجِدْ طعمَ نوم، فإن أنت جعلتَ لي أن توقِظَني إذا بلَغ الظلُّ مكان كذا وكذا نمْتُ؛ فإني أحبُّ أن أنامَ في هذا المسجد، وإلا لم أنَمْ. قال: قلتُ: فإني أفعل. قال: فانظُر إذا بلَغ الظلُّ مكان كذا وكذا، فأيْقِظْني إذا غَلَبَتني عيني. فنامَ، فقلتُ في نفسي: هذا لم يَنَمْ منذ كذا وكذا، وقد رأيتُ بعضَ ذلك، لأَدَعَنَّه ينام حتى يَشْتَفي من النوم. وكان فيما يمشي وأنا معه،

الصفحة 9