كتاب البحر المحيط في التفسير (اسم الجزء: 8)

وَقَالَ الْحَسَنُ أَيْضًا: الْخَاتَمُ وَالسِّوَارُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْكُحْلُ وَالْخَاتَمُ فَقَطْ. وَقَالَ الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ: هُمَا والسوار. وقال الحسن أيضا: الْخَاتَمُ وَالسِّوَارُ. وَقَالَ ابْنُ بَحْرٍ:
الزِّينَةُ تَقَعُ عَلَى مَحَاسِنِ الْخَلْقِ الَّتِي فَعَلَهَا اللَّهُ وَعَلَى مَا يُتَزَيَّنُ بِهِ مِنْ فَضْلِ لِبَاسٍ، فَنَهَاهُنَّ اللَّهُ عَنْ إِبْدَاءِ ذَلِكَ لِمَنْ لَيْسَ بِمَحْرَمٍ وَاسْتَثْنَى مَا لَا يُمْكِنُ إِخْفَاؤُهُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ كَالْوَجْهِ وَالْأَطْرَافِ عَلَى غَيْرِ التَّلَذُّذِ. وَأَنْكَرَ بَعْضُهُمْ إِطْلَاقَ الزِّينَةِ عَلَى الْخِلْقَةِ وَالْأَقْرَبُ دُخُولُهُ فِي الزِّينَةِ وَأَيُّ زِينَةٍ أَحْسَنُ مِنْ خَلْقِ الْعُضْوِ فِي غَايَةِ الِاعْتِدَالِ وَالْحُسْنِ.
وَفِي قَوْلِهِ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الزِّينَةَ مَا يَعُمُّ الْخِلْقَةَ وَغَيْرَهَا، مَنَعَهُنَّ مِنْ إِظْهَارِ مَحَاسِنِ خَلْقِهِنَّ فَأَوْجَبَ سَتْرَهَا بِالْخِمَارِ. وَقَدْ يُقَالُ لَمَّا كَانَ الْغَالِبُ مِنَ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ ظُهُورُهَا عَادَةً وَعِبَادَةً فِي الصَّلَاةِ وَالْحَجِّ حَسُنَ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِثْنَاءُ رَاجِعًا إِلَيْهِمَا،
وَفِي السُّنَنِ لِأَبِي دَاوُدَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: «يَا أَسْمَاءُ إِنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا بَلَغَتِ الْمَحِيضَ لَمْ يَصْلُحْ أَنْ يُرَى مِنْهَا إِلَّا هَذَا: وَأَشَارَ إِلَى وَجْهِهِ وَكَفَّيْهِ» .
وَقَالَ ابْنُ خُوَيْزِ مِنْدَادَ: إِذَا كَانَتْ جَمِيلَةً وَخِيفَ مِنْ وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا الْفِتْنَةُ فَعَلَيْهَا سَتْرُ ذَلِكَ، وكان النساء يغطين رؤوسهنّ بِالْأَخْمِرَةِ وَيُسْدِلْنَهَا مِنْ وَرَاءِ الظَّهْرِ فَيَبْقَى النَّحْرُ وَالْعُنُقُ وَالْأُذُنَانِ لَا سِتْرَ عَلَيْهِنَّ وَضَمَّنَ وَلْيَضْرِبْنَ مَعْنَى وَلْيُلْقِينَ وَلْيَضَعْنَ، فَلِذَلِكَ عَدَّاهُ بِعَلَى كَمَا تَقُولُ ضَرَبْتُ بِيَدِي عَلَى الْحَائِطِ إِذَا وَضَعْتَهَا عَلَيْهِ. وَقَرَأَ عَيَّاشُ عَنْ أَبِي عَمْرٍو وَلْيَضْرِبْنَ بِكَسْرِ اللَّامِ وَطَلْحَةُ بِخُمُرِهِنَّ بِسُكُونِ الْمِيمِ وَأَبُو عَمْرٍو وَنَافِعٌ وَعَاصِمٌ وَهِشَامٌ جُيُوبِهِنَّ بِضَمِّ الْجِيمِ وَبَاقِي السَّبْعَةِ بِكَسْرِ الْجِيمِ.
وَبَدَأَ تَعَالَى بِالْأَزْوَاجِ لِأَنَّ اطِّلَاعَهُمْ يَقَعُ عَلَى أَعْظَمَ مِنَ الزِّينَةِ، ثُمَّ ثَنَّى بِالْمَحَارِمِ وَسَوَّى بَيْنَهُمْ فِي إِبْدَاءِ الزِّينَةِ وَلَكِنْ تَخْتَلِفُ مَرَاتِبُهُمْ فِي الْحُرْمَةِ بِحَسَبِ مَا فِي نُفُوسِ الْبَشَرِ، فَالْأَبُ وَالْأَخُ لَيْسَ كَابْنِ الزَّوْجِ فَقَدْ يُبْدَى لِلْأَبِ مَا لَا يُبْدَى لِابْنِ الزَّوْجِ. وَلَمْ يَذْكُرْ تَعَالَى هُنَا الْعَمَّ وَلَا الْخَالَ. وَقَالَ الْحَسَنُ: هُمَا كَسَائِرِ الْمَحَارِمِ فِي جَوَازِ النَّظَرِ قَالَ: لِأَنَّ الْآيَةَ لَمْ يُذْكَرْ فِيهَا الرَّضَاعُ وَهُوَ كَالنَّسَبِ، وَقَالَ فِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ لَا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَّ «1» وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهَا الْبُعُولَةَ وَذَكَرَهُمْ هُنَا، وَالْإِضَافَةُ فِي نِسائِهِنَّ إِلَى الْمُؤْمِنَاتِ تَقْتَضِي تَعْمِيمَ مَا أُضِيفَ إِلَيْهِنَّ مِنَ النِّسَاءِ مِنْ مُسْلِمَةٍ وَكَافِرَةٍ كِتَابِيَّةٍ وَمُشْرِكَةٍ مِنَ اللَّوَاتِي يَكُنَّ فِي صُحْبَةِ الْمُؤْمِنَاتِ وَخِدْمَتِهِنَّ، وَأَكْثَرُ السَّلَفِ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ أَوْ نِسائِهِنَّ مَخْصُوصٌ بِمَنْ كَانَ عَلَى دينهن.
__________
(1) سورة الأحزاب: 33/ 55.

الصفحة 34