كتاب البحر المحيط في التفسير (اسم الجزء: 8)
وَكُلُّ خَلِيلٍ غَيْرُ هَاضِمِ نَفْسِهِ انْتَهَى. قُدِّرَ أَوَّلًا فَرِحِينَ مَجْرُورَةً صِفَةً لِحِزْبٍ، ثُمَّ قَالَ: وَلَكِنَّهُ رُفِعَ على الوصف لكل، لِأَنَّكَ إِذَا قُلْتَ: مِنْ قَوْمِكَ كُلُّ رَجُلٍ صَالِحٍ، جَازَ فِي صَالِحٍ الْخَفْضُ نعتا لرجل، وَهُوَ الْأَكْثَرُ، كَقَوْلِهِ:
جَادَتْ عَلَيْهِ كُلُّ عَيْنٍ ترة ... فَتَرَكْنَ كُلَّ حَدِيقَةٍ كَالدِّرْهَمِ
وجاز الرفع نعتا لكل، كَقَوْلِهِ:
وَعَلَيْهِ هَبَّتْ كُلُّ مُعْصِفَةٍ ... هَوْجَاءَ لَيْسَ لِلُبِّهَا دبر
برفع هوجاء صفة لكل.
وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ، لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ، أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِما كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ، وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ، أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ، فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ.
الضُّرُّ: الشِّدَّةُ، مِنْ فَقْرٍ، أَوْ مَرَضٍ، أَوْ قَحْطٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَالرَّحْمَةُ: الْخَلَاصُ مِنْ ذَلِكَ الضُّرِّ. دَعَوْا رَبَّهُمْ: أَفْرَدُوهُ بِالتَّضَرُّعِ وَالدُّعَاءِ لِيَنْجُوا مِنْ ذَلِكَ الضُّرِّ، وَتَرَكُوا أَصْنَامَهُمْ لِعِلْمِهِمْ أَنَّهُ لَا يَكْشِفُ الضُّرَّ إِلَّا هُوَ تَعَالَى، فَلَهُمْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ إِنَابَةٌ وَخُضُوعٌ، وَإِذَا خَلَّصَهُمْ مِنْ ذَلِكَ الضُّرِّ، أَشْرَكَ فَرِيقٌ ممن خلص، وَهَذَا الْفَرِيقُ هُمْ عَبَدَةُ الْأَصْنَامِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَيَلْحَقُ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ شَيْءٌ لِلْمُؤْمِنِينَ، إِذْ جَاءَهُمْ فَرَجٌ بَعْدَ شِدَّةٍ، عَلَّقُوا ذَلِكَ بِمَخْلُوقِينَ، أَوْ بِحِذْقِ آرَائِهِمْ، أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ، فَفِيهِ قِلَّةُ شُكْرِ اللَّهِ، وَيُسَمَّى مَجَازًا. وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ: يَقُولُ: تَخَلَّصْتُ بِسَبَبِ اتِّصَالِ الْكَوْكَبِ الْفُلَانِيِّ وَسَبَبِ الصَّنَمِ الْفُلَانِيِّ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَعْتَقِدَ أَنَّهُ يَخْلُصُ بِسَبَبِ فُلَانٍ إِذَا كَانَ ظَاهِرًا، فَإِنَّهُ شِرْكٌ خَفِيٌّ. انْتَهَى.
وإِذا فَرِيقٌ: جَوَابُ إِذا أَذاقَهُمْ، الْأُولَى شَرْطِيَّةٌ، وَالثَّانِيَةُ لِلْمُفَاجَأَةِ، وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ، وَجَاءَ هُنَا فَرِيقٌ، لِأَنَّ قَوْلَهُ: وَإِذا مَسَّ النَّاسَ عَامٌّ لِلْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ، فَلَا يُشْرِكُ إِلَّا الكافر.
الصفحة 391